التابعون عن الصحابة، وحفظه من بعد التابعين عن التابعين. وكان في هذه القرون الفاضلة الكلمة في الصفات متحددة، والطريقة لهم جميعا متفقة، وكان اشتغالهم بما أمرهم الله بالاشتغال به وكلفهم القيام بفرائضه من الإيمان بالله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وإنفاق الأموال في أنواع البر، وطلب العلم النافع، وإرشاد الناس إلى الخير على اختلاف أنواعه، والمحافظة على موجبات الفوز بالجنة، والنجاة من النار، والقيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم بحسب الاستطاعة، وبما تبلغ إليه القدوة، ولم يشتغلوا بغير ذلك مما لم يكلفهم الله بعلمه، ولا تعبدهم بالوقوف على حقيقته.
فكان الدين إذ ذاك صافيا عن كدر البدع، خالصا عن شوب قذر التمذهب، فعلى هذا النمط كان الصحابة-رضي الله عنه- والتابعون وتابعوهم، وبهدي رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[3 أ] اهتدوا، وبأفعاله وأقواله اقتدوا.
فمن قال: إنهم تلبسوا بشيء من هذه المذاهب الناشئة في الصفات أو غيرها، فقد أعظم عليهم الفرية، وليس بمقبول في ذلك، فإن أقوال الأئمة المطلعين على أحوالهم، العارفين بها، الآخذين عن الثقات الأثبات، يرد عليه، ويدفع في وجهه، يعلم ذلك كل من له علم، ويعرفه كل عارف.
فاشدد يديك على هذا، واعلم أنه مذهب خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (?)، ودع عنك ما حدث من تلك التمذهبات في الصفات