المانع الذي وقعت فيه لكونه قد خالطه في الطرفين شيء من الميتة التي يحرم أكلها، فكان أكله حرامًا مثلها، وليس ذلك لكونه نجسًا. ولا ملازمة بين الإلقاء وبين ترك الانتفاع من كل وجه، فقد يكون الإلقاء إلى شيء له بذلك نوع انتفاع.
وهكذا لا يستفاد من قوله تعالى: {أو لحم خنزير فإنه رجس} (?) أن تكون الميتة من غير الخنزير نجسة، فإن الضمير في قوله: {فإنه} راجع إلى المضاف (?) وهو لحم، أو إلى المضاف إليه وهو الخنزير على خلاف في ذلك. وعلى كل تقدير فذلك لا يستلزم نجاسة الميتة لا بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام. بل لو كان ما ذكره الله- سبحانه- في هذه الآية- أعني قوله: {قل لآ أجد في ما أوحى إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير} (?) نجسًا لقال- سبحانه- في هذه: فإنها رجس (?) والرجس يكون على أربعة أوجه:
إما من حيث الطبع وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع وإما من كل ذلك كالميتة. فإن الميتة تعاف طبعًا وعقلًا وشرعًا.
والرجس من جهة الشرع: الخمر والميسر وقيل: إن ذلك رجس من جهة العقل وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]، لأن كل ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنبه، وجعل الكافرين رجسًا من حيث إن الشرك أقبح الأشياء قال تعالى: {وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} [التوبة: 125]. وقوله تعالى: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} [يونس: 100].
قيل: الرجس: النتن، وقيل العذاب وذلك كقوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28].
وقال سبحانه: {أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: 145]. وذلك من حيث الشرع.
«مفردات ألفاظ القرآن» (ص342) للراغب الأصفهاني.، فلما جعل الحكم بالرجسية خاصًا بالخنزير (?) مع ذكر الميتة والدم المسفوح معه أفاد ذلك أنهما مغايران له في هذه الصفة أعني: الرجسية.
إذا تقرر لك هذا عرفت أنه لم يدل دليل على نجاسة الميتة من غير الخنزير كائنةً ما