ولا سيما إذا وجد ذلك القبر قد بنيت عليه المباني النفيسة وصبغت جدرانه بالأصبغة الفائقة، ونصبت عليه الستور الرفيعة، وفاحت بجوانبه روائح العود والند والعنبر، وسطعت بنواحيه أشعة السرج والقناديل والشموع، وسمع سدنته العاكفين عليه المحتالين على الناس به يعظمون الأمر ويهولونه ويمسكون بيد زائريه والوافدين إليه ويدفعون في أقفيتهم فإنه عند هذا يتعاظم اعتقاده ويضيق ذهنه عن تصور ما يستحقه ذلك الميت من عظم المنزلة ورفيع الدرجة فيقع حينئذ في بلية لا ينزعها من قلبه إلا توفيق الله وهدايته ولطفه وعنايته أو السيف الذي هو آخر الأدوية وأنفع العقاقير.

وإذا اشتعل هذا الذي نشأ على هذه الصفة بطلب العلم وجد غالب أهله قد اتفقوا على اعتقاد ذلك الميت وتعظيم شأنه وجعلوا محبته من أعظم الذخائر عند الله، وطعنوا على من خالفهم في شيء من باطلهم بأنه لا يعتقد الأولياء ولا يحب الصلحاء، ورموه بكل حجر ومدر وألصقوا به كل عيب، فيزداد لذلك الميت محبة وفيه اعتقادا، وعلى فرض وجود فرد من أفرادهم يلهمه الله الصواب ويهديه إلى الحق ويرشده إلى فهم ما جاء عن الشارع من النهي عن رفع القبور (?) وتجصيصها والكتب عليها والتسريج لها والأمر بتسوية ما هو مشرف منها والزجر عن جعلها مساجد وأوثانا [21] ثم فهم كون الدعاء عبادة والعبادة مختصة بالله عز وجل، والمنع من دعاء غير الله في السراء والضراء وتعظيم من سواه والالتجاء إليه في الخير والشر كائنا من كان من غير فرق بين الأنبياء والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم من طوائف المسلمين.

فهذا الفرد النادر والغريب الشاذ قد يكتم ما أمره الله به من البيان للناس إما بعذر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015