وكان معاوية مع حدّة جوابه وصواب رأيه حليما جوادا، وكان يضيف إلى ذلك شجاعة وخرما. ويروى أنّ عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قال له: إنّى لأراك تقدم أحيانا حتى أقول أشجع الناس، وأراك تحجم أحيانا حتى أقول أجبن الناس، قال:
إنى أقدم ما كان الإقدام غنما، وأحجم ما كان الإحجام حزما، فأنا كما قال القائل «1» :
شجاع إذا ما أمكنتنى فرصة ... وإن لم تكن لى فرصة فجبان
وكان المهلّب يقول: الإقدام على الهلكة تضييع، كما أن الإحجام عن الفرصة جبن.
ويروى أن جرّة «2» هوت على رأس يزيد ابنه فلم يتوقّها، فقال له المهلّب: حفظت الشجاعة من حيث ضيّعت الحزم. ويروى عن أحد الحكماء قال: يجب على الرجل أن يكون سخيا ولا يبلغ التبذير، وأن يكون حافظا ولا يبلغ البخل، وأن يكون «3» شجاعا ولا يبلغ التضييع، وأن يكون محترسا ولا يبلغ الجبن، وأن يكون ماضيا ولا يبلغ القحة، وأن يكون قوّالا ولا يبلغ الهذر، وأن يكون صموتا ولا يبلغ العىّ، وأن يكون حليما ولا يبلغ الذل، وأن يكون منتصرا ولا يبلغ الظلم، وأن يكون أنفا ولا يبلغ الزّهو، وأن يكون حييّا ولا يبلغ العجز.
وحدّثنى مسعود بن بشر فى إسناد ذكره قال: لما قال «4» حسّان بن ثابت فى كلمة له يعيّر بها الحارث بن هشام بن المغيرة- حيث فرّ يوم بدر عن أخيه أبى جهل ابن هشام:
إن كنت كاذبة الذى حدّثتنى ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة لم يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام «5»