وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة ـ أكثرهم شركا، فكلما كان الشرك في العبد أغلب ـ كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصا كان منهما أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق ـ عليه السلام ـ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} . [يوسف: 24] . فإن عشق الصور المحرمة نوع تعبد لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب، وتمكن منها صار تتيما، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدا لمعشوقه، وكثيرا ما يغلب حبه، وذكره، والشوق إليه والسعي في مرضاته، وإيثار محابه على حب الله وذكره، والسعي في مرضاته، بل كثيرا ما يذهب ذلك من قبل العاشق بالكلية، ويصير متعلقا بمعشوقه من الصور، كما هو مشاهد، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله ـ عز وجل ـ يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله ـ تعالى ـ وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنب من سخطه ما لا يتجنب من سخط الله ـ تعالى ـ فيصير آثر عنده من ربه، حبا وخضوعا، وذلا، وسمعا وطاعة.
ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله ـ سبحانه ـ العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز وكانت إذ ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد ـ بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده ـ صرف ذلك عنه.
والزنا واللواط كمال لذاتهما إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما لتنقله من محل إلى محل ـ لا يبقى عشقه مقصورا على محل واحد، بل ينقسم على سهام كثيرة، لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده.
فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ