ومَا تَعْمَلُونَ} ونَسَبَ الْكَسْبَ لِلْعَبْدِ؛ فَقَالَ تعَالَى: {جَزَاءٌ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقَالَ: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ} وَالكَسْبُ لَيْسَ إِبرَازًا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الوُجُودِ بَلْ نِسْبَةٌ يَعْلَمُهَا الْعَبْدُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ ومقدورِهِ فِي مَحَلِّهِ ضرورةً؛ فَكُلُّ أَحَدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ حركةِ المُرْتَعِشِ وحركةِ المُخْتَارِ، فَتِلْكَ مُجْرَدُ فِعْلٍ مِنَ اللَّهِ تعَالَى لاَ كَسْبَ لِلعبدِ فِيهَا، وهذه منسوبةٌ إِلَيْهِ، وخُصَّتْ بِاسْمِ الْكَسْبِ فَاللَّهُ تعَالَى خَالِقُ أَفعَالِ العِبَادِ، وهي مُكْتَسَبَةٌ لَهُمْ، وحُجَّةُ اللَّهِ تعَالَى قَائمةٌ عليهم، فَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، ولاَ مَطْمَعَ فِي الوصولِ إِلَى كَشْفِ ذَلِكَ خَاليًا عَنِ الإِشكَالِ، وَالأُمُورُ إِذَا تعَارَضَتْ صِرْنَا إِلَى أَقْرَبِ احتمَالٍ، وَاللَّهُ المُوَفِّقُ، وإِليه المَرْجِعُ.
ص: ومِنْ ثَمَّ الصّحيحُ أَنَّ القدرةَ لاَ تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ وأَنَّ الْعَجْزَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ تُقَابِلُ القدرةَ تَقَابُلَ الضِّدَّيْنِ لاَ الْعَدمِ وَالْمَلَكَةِ.
ش: فِيهِ مسأَلتَانِ:
الأُولَى: ذَهَبَ الأَشْعَرِيُّ وأَكثرُ أَصحَابِهِ إِلَى أَنَّ القدرةَ علَى الفِعْلِ لاَ تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ؛ لاستحَالةِ اجتمَاعِهِمَا، فَاستطَاعةُ الإِيمَانِ توفِيقٌ وَاستطَاعةُ الكُفرِ خِذْلاَنٌ، ولاَ تَصْلُحُ إِحْدَاهُمَا لِمَا تصلحُ لَهُ الأُخْرَى.
وقَالَ القَلاَنِسِيُّ مِنْ أَصحَابِنَا: إِنَّهَا تَصْلُحُ لَهُمَا علَى الْبَدَلِ، وَحَكَاهُ الأَستَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ومعنَاهُ أَنهَا/ (263/ب/م) إِنِ اقْتَرَنَتْ بِالإِيمَانِ صَلُحَتْ له دُونَ الكُفْرِ، وإِنِ اقْتَرَنَتْ بِالكُفْرِ صَلُحَتْ له دُونَ الإِيمَانِ.
وقَالَتِ المُعْتَزِلَةُ: تصلحُ لهمَا، ويَلْزَمُ عَلَيْهِ الاستغنَاءُ عَنْ تجديدِ الإِمدَادِ، وهو