تَرْكِ الأَعمَالِ يَخْلُدُ إِلَى البطَالةِ.
فأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: لاَ تَتْرُكِ الأَعمَالَ، ودَاوِ العُجْبَ بأَنْ تَعْلَمَ أَن ظُهُورَهُ مِنَ النَّفْسِ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ، فإِنَّ ذَلِكَ كفَّارَتَهُ، ولاَ تَدَعِ العَمَلَ رأَسًا.
وكذَا قَالَ الإِمَامُ فِي (المطَالبِ) من مكَائدِ الشّيطَانِ تَرْكُ العَمَلِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ/إِنه مرَاءٌ وهذَا بَاطلٌ، فإِنَّ تَطْهِيرَ العَمَلِ مِنْ نَزَغَاتِ الشّيطَانِ بِالكليَّةِ مُتَعَذِّرٌ/ (206/ب/د) فَلَوْ وَقَفَتْ العبَادةُ علَى الكمَالِ لِتَعَذُّرِ الاشتغَالِ بِشَيْءٍ مِنَ العبَادَاتِ، وذلكَ يُوجِبُ البطَالةُ، وهي أَقصَى غرضِ الشّيطَانِ/ (259/ب/م).
وقَالَ النّوويُّ: ولو فَتَحَ الإِنسَانُ عَلَيْهِ بَابَ ملاَحظةِ النَّاسِ، وَالاحترَازُ مِنْ تَطَرُّقِ ظُنُونِهِمْ البَاطلةِ لأَفسدَ عَلَيْهِ أَكثرَ أَبوَابِ الخيرِ، وَضَيَّعَ علَى نَفْسِهِ شيئًا عظيمًا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وَلَيْسَ هذَا طريقةُ العَارِفِينَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ من قَالَ: سِيرُوا إِلَى اللَّهِ عَرَجًا وَمَكَاسِيرَ، ولاَ تَنْتَظِرُوا الصِّحَّةَ فإِنَّ انتظَارَ الصِّحَّةِ بطَالةٌ.
وحُكِيَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا خِفْتَ علَى عَمَلِكَ العُجْبَ فَاذْكُرْ رضَى مَنْ تَطْلُبُ، وفِي أَيِّ النَّعِيمِ تَرْغَبْ ومِنْ أَيِّ عِقَابٍ تَرْهَبُ، وأَيَّ عَاقِبَةٍ تَشْكُرُ، وأَيَّ بَلاَءٍ تَذْكُرْ، فإِنَّكَ إِذَا فَكَّرْتَ فِي وَاحدةٍ مِنْ هذه الخِصَالِ صَغُرَ فِي عَيْنِكَ عَمَلُكَ.
الحَالةُ الثَّانِيةُ: أَنْ تَجِدَ ذَلِكَ الأَمْرَ مَنْهِيًّا عَنْهُ شرعًا، فَلاَ تَقْرَبْهُ، فإِنَّ ذَلِكَ الخَاطرَ مِنَ الشّيطَانِ كذَا قَالَ المُصَنِّفُ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ، قَالُوا: وَالفرقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خَاطِرَ النَّفْسِ لاَ تَرْجِعُ عَنْهُ، وخَاطرَ الشّيطَانِ قَد يَنْقِلُهُ إِلَى غَيْرِهِ، إِنْ صَمَّمَ الإِنسَانُ علَى عَدَمِ فِعْلِهِ؛ لأَنَّ قَصْدَهُ الإِغرَاءُ لاَ خصوصُ قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فإِْن فَعَلْتَ ذَلِكَ المَنْهِيَّ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهُ، ولاَ تيأَسْ مِنَ الرَّحْمَةِ، قَالَ اللَّهُ تعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}.