ص: وإِذَا خَطَرَ لَك أَمْرٌ فَزِنْهُ بِالشَّرْعِ فإِنْ كَانَ مأُمُورًا فبَادِرْ فإِنَّه مِنَ الرَّحْمَنِ، فإِنْ خَشِيتَ وقوعَه لاَ إِيقَاعَه علَى صفةٍ مَنْهِيَّةٍ فَلاَ عليك، وَاحْتِيَاجُ اسْتِغْفَارِنَا إِلَى اسْتِغْفَارٍ لاَ يُوجِبُ تَرْكَ الاستغفَارِ، ومِنْ ثَمَّ قَالَ السَّهْرَوَرْدِيُّ: اعْمَلْ وإِنْ خِفْتَ العُجْبَ مُسْتَغْفِرًا مِنْهُ وإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا فإِيَّاكَ فإِنَّه مِنَ الشّيطَانِ فإِنْ مِلْتَ فَاسْتَغْفِرْ.
ش: إِذَا عُرِضَ لِسَالِكِ طَرِيقِ الآخِرَةِ أَمْرٌ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَزِنَهُ بميزَانِ الشَّرْعِ، فإِنَّ الأَحكَامَ لاَ تُعْرَفُ إِلا مِنْهُ، وَلَهُ ثلاَثةُ أَحوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مأُمُورٌ بِهِ شرعًا، إِمَّا علَى طريقِ الوُجُوبِ أَو الاستحبَابِ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى فِعْلِهِ، فإِنَّه مِنَ الرّحمنِ عزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِلهَامًا مِنَ اللَّهِ له، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِلقَاءِ المَلَكِ فِي الرَّوْعِ، وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَن إِلقَاءِ المَلَكِ قَد يُعَارِضُه النَّفْسُ وَالشَّيْطَانُ بِالوسَاوسِ، بخلاَفِ الخوَاطرِ الإِلْهَامِيَّةِ فإِنَّه لاَ يَرُدُّهَا شَيْءٌ بَلْ تنقَادُ لهَا النّفسُ وَالشّيطَانُ طَوْعًا وَكَرْهًا.
قَالَ الشَّارِحُ: وعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: (فَبَادِرْ) بفَاء التَّعْقِيبِ ـ السرعةُ:
قَالَ الأَستَاذُ أَبُو القَاسمِ القُشَيْرِيُّ: فإِنَّكَ إِنْ تَوَقَّفْتَ بِرَدِّ الأَمرِ، وَهَبَّتْ ريحُ التََّكَاسلِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ البُوشِنْجِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي شُغُلٍ فَدَعَا مَنْ نزَعَ قميصَه عَنْهُ، وقَالَ: ادْفَعْه إِلَى فلاَنٍ، فقِيلَ: لو صَبِرْتَ حتَّى تَخْرُجَ؟
فقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يزولَ هذَا الخَاطرُ عَنِ القلبِ.
قُلْتُ: هذه الفَاءُ لاَ دلاَلةَ لهَا علَى التَّعْقِيبِ، وإِنَّمَا هي لربطِ الجزَاءِ بِالشَّرْطِ، وَالدَالةُ علَى التّعقيبِ/ (259/أَ/م) هي العَاطفةُ، ولكنْ هذَا المَعْنَى مَفْهُومٌ مِنْ لَفْظِ المبَادرةِ،