وَالعَمَلِ مَحَبَّةَ اللَّهِ تعَالَى لَهُ (وهو يَدُلُّ علَى أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ سَابقةً علَى مَحَبَّتِهِ له، وفِيه خلاَفٌ) وَالأَصَحُّ الأَوَّلُ.
قَالَ بعضُهُمْ: علاَمةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ بُغْضُ المرءِ لنفسِهِ؛ لأَنَّهَا مَانِعٌ لَهُ مِنَ المَحْبُوبِ فإِذَا وَافَقَتْهُ نَفْسُه فِي المَحَبَّةِ أَحبَّهَا، لاَ لأَنَّهَا نَفْسُهُ، بَلْ لأَنَّهَا تُحِبُّ مَحْبُوبَهُ، وَتَرَتَّبَ علَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تعَالَى لَهُ صيَانَةُ جوَارحِهِ وحوَاسِّهِ فَلاَ يَسْمَعُ إِلا لِلَّهِ ولاَ يُبْصِرُ إِلا له، ولاَ يَبْطِشُ إِلا لِأََجْلِهِ، كمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّه وَأَبْغَضَ لِلَّه وأَعطَى لِلَّه وَمَنَع لِلَّه فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ)) / (258/أَ/م) وكمَا كَانَتْ حَالةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، إِلا أَنْ تُنْتَهَكُ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ.
وأَصلُّ هذَا الحديثِ فِي صحيحِ البخَاريِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ تعَالَى: ((مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُه بِالْحَرْبِ، ومَا تَقَرَّبَ إِلي عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُه عَلَيْهِ، ومَا يزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنوَافلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعُهُ الذي يَسْمَعُ مِنْهُ وَبَصَرُهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدُهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، فإِنْ سأَلَنِي فَلَأُعْطِيَنَّهُ، وإِنِ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ)) قَالَ بَعْضُهُم فِي معنَى هذَا الحديثِ: إِنَّ اللَّهَ تعَالَى يَتَوَلََّى مَنْ أَحَبَّهُ فِي جَمِيعِ أَحوَالِه، كَمَا يَتَوَلَّى الوَالِدَانِ جَمِيعَ أَحوَالِ الطَّفْلِ، فَلاَ يَمْشِي إِلا بِرِجْلِ أَحَدِهِمَا ولاَ يأَكلُ إِلا بِيَدِهِ، فَفَنِيَتْ صِفَاتُهُ وقَامَتْ صفَاتُ الوَالِدَيْنِ مقَامَهَا لشدَّةِ اعتنَائِهمَا بِحِفْظِهِ، فكذلك حَالُ الولِيِّ مَعَ الرَّبِّ سبحَانَه وتعَالَى، وَاتِّخَاذُ اللَّهِ لَهُ وليًّا يحتمِلُ أَنْ يَكُونَ فعيلاً بمعنَى فَاعلٍ، أَي وَلِيُّ أَمْرِ اللَّهِ.
(وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ أَي: وَلِيَ اللَّهُ أَمْرَهُ) وَتَرَتَّبَ علَى وِلَاَيَتِهِ إِجَابةُ دَعْوَتِهِ وإِعَاذَتُهُ ممَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخَرَّازُ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تعَالَى أَنْ يُوَالِي عبدَهُ فَتَحَ عَلَيْهِ بَابَ