وأَنْكَرَ الفلاَسفةُ حَشْرَ الأَجسَادِ ونَشْرَهَا ورَدَّوْهَا إِلَى حَشْرِ الأَروَاحِ، ونُصُوصُ القرآنِ وَالسُّنَّةِ المُتَوَاتِرَةِ صريحةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.
وأَمَّا الصِّرَاطُ فهو جِسْرٌ يُضْرَبُ علَى ظَهْرَانِيِّ جَهَنَّمَ يَمَرُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الخلاَئقِ، وَقَدْ وَرَدَتُ بِهِ الأَحَاديثُ الصَّحِيحَةُ، وَاستفَاضَتْ، وهو محمولٌ علَى ظَاهرِهِ، وفِي روَايةٍ: ((إِنَّهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ)).
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا فِي صحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيِّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ.
قَالَ بعضُهُمْ: ولو ثَبَتَ ذَلِكَ لوُجُوبِ تأَويلِهِ؛ لِيوَافِقَ الحديثَ الآخَرَ فِي قيَامِ الملاَئكةِ علَى جَنْبَيْهِ وكَوْنِ الكَلَالِيبِ وَالْحَسَكِ فِيهِ، وإِعْطَاءِ المَارِّ عَلَيْهِ مِنَ النُّورِ قَدْرَ مَوْضِعِ قَدَمِهِ، ومَا هو فِي دِقْةِ الشَّعْرِ لاَ يَحْتَمِلُ هذَا؛ فَيُمْكِنُ تأَويلُهُ بِأَنَّ أَمْرَهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ؛ فَإِن ذَلِكَ يُضْرَبُ مَثَلاً لِلْخَفِيِّ الغَامِضِ، وَوَجْهُ غُمُوضِهِ أَنْ يَسَّرَ الجوَازَ عَلَيْهِ وعَسَّرَهُ علَى قَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالمعَاصِي، ولاَ يَعْلَمُ حُدُودَ ذَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ تعَالَى.
وأَمَّا تَمْثِيلُهُ بِحَدِّ السَّيْفِ فَلإِسرَاعِ الملاَئكةِ فِيه إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تعَالَى فِي إِجَازةِ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وأَمَّا الميزَانُ فَالمُرَادُ بِهِ نَصْبُ ميزَانٍ ذِي كِفَّتَيْنِ، ولِسَانٍ تُوزَنُ فِيهِ الأَعْمَالُ وَالأَقوَالُ، فَإِمَّا أَنْ تُجَسَّدَ/ (245/أَ/م) الأَعْرَاضُ، وإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَزْنُ لِلصُّحُفِ التي كُتِبَتْ فِيهَا الأَعمَالُ، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ بِهِ الأَحَاديثُ، وَالمُرَادُ بِهِ تعريفُ العِبَادِ مَقَادِيرَ أَعمَالِهِمْ ـ وأَنْكَرَ المُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ.
وأَمَّا كَوْنُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَخْلُوقَتَيْنِ اليومَ فَلِقَوْلِهِ تعَالَى: {وَجَنَّةٌ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أَعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ