اختصَاصُه بِهِ هو الشّفَاعةُ العُظْمَى؛ لِفَصْلِ القضَاءِ بَيْنَ الخَلْقِ، وتلك لاَ يُنْكِرُهَا المُعْتَزِلَةُ إِنَّمَا أَنكروا غيرَهَا.
وقَالَتِ المُعْتَزِلَةُ: إِنَّ الفِسْقَ يُخْرِجُ عَنِ الإِيمَانِ ولاَ يُدْخِلُ فِي الكُفْرِ؛ فهو فَاسِقٌ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ولاَ كَافرٍ، فقَالوا بِالمَنْزِلَةِ بَيْنَ منزلتَيْنِ، وعندَهم أَنَّ الفَاسقَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ كَالكَافِرِ، وأَنَّهُ لاَ يَخْرُجُ مِنْهَا بشفَاعةٍ ولاَ غيرِهَا، وأَنكروا الشّفَاعة؛ َ لوجُوبِ العقوبةِ عندَهم. وحكَى ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايةً: أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالفِسْقِ مِنَ الإِيمَانِ إِلَى الإِسلاَمِ.
وقَالَ البَيْهَقِيُّ: توَاتَرَتِ الأَحَاديثُ فِي أَنَّ/ (194/أَ/د) المؤمنَ لاَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ بِذُنُوبِه، غَيْرَ أَنَّ القَدْرَ الذي يَبْقَى فِيهَا غَيْرَ معلومٍ، وَالذي تَلْحَقُهُ الشّفَاعةُ ابتدَاءً حتَّى لاَ يُعَذَّبُ أَصْلاً غَيْرَ معلومٍ، فَالذَّنْبُ خَطَرٌ عظيمٌ، ورَبُّنَا غفورٌ رحيمٌ، وعقَابُه شديدٌ أَليمٌ.
قَالَ العلمَاءُ: وَالشّفَاعَاتُ الأَخْرَوِيَّةُ خَمْسٌ:
أَحَدُهَا: الشّفَاعةُ العظمَى بِفَصْلِ القضَاءِ، وهي خَاصَّةٌ بِنَبِيِّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بِالإِجمَاعِ.
الثَانِيَةُ: الشّفَاعةُ فِي إِدخَالِ قَوْمٍ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولاَ عِقَابٍ، وذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هذه مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَيضًا، وتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.
الثَالثةُ: الشّفَاعةُ فِي قَوْمٍ استوجبوا النَّارَ حتَّى لاَ/ (241/أَ/م) يدخلوهَا كَمَا سَبَقَ.
الرَابعةُ: الشّفَاعةُ فِي إِخرَاج ِقَوْمٍ مِنَ النَّارِ.
الخَامسةُ: الشّفَاعةُ فِي زيَادةِ الدَّرَجَاتِ فِي الجَنَّةِ، وزَادَ بعضُهم.
سَادسةً: وهي الشّفَاعةُ فِي تخفِيفِ العذَابِ عَنْ بَعْضِ الكُفَّارِ كَأَبِي طَالبٍ.
وسَابعةً: فِي التّخفِيفِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، كَمَا جَاءَ فِي حديثِ القَبْرَيْنِ
فَإِنَّ فِيهِ: ((فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي مَا دَامَ هذَانِ الغُصْنَانِ