عَنِ الإِتيَانِ بِمَا يُظْهِرُه اللَّهُ تعَالَى علَى النّبِيِّ.
فَقولُه: (أَمرٌ) جِنْسٌ، وعَبَّرَ بِهِ لِشُمُولِه القَوْلَ وَالفِعْلَ وَالإِعدَامَ، كَمَا لو تحدَّى بإِعدَامِ حَبلِ فِيَنْعَدِمُ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ (خَارِقٌ لِلعَادةِ) مَا لَيْسَ كذلك، كَطُلوعِ الشّمسِ كَلَّ يومٍ علَى المعتَادِ، وفُهِمَ مِنْ إِطلاَقِه أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الخَارقِ مُعَيَّنًا، وَقَدْ نَقَلَ الآمِدِيُّ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (مَقْرُونٌ بِالتحدِّي) أَيْ: بِدعوَى النّبوةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَو يَتَأَخَّرَ عَنْهُ، وفِي ذَلِكَ احترَازٌ عَنِ الكرَامةِ؛ فَإِنَّه لاَ تَحَدِّيَ فِيهَا، وعَنِ العَلاَمَةِ الدَّالةِ علَى بَعْثَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَبْلَ بَعْثِهِ كَالنُّورِ الذي ظَهَرَ فِي جَبْهَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ويُسَمَّى إِرهَاصًا، وهو بِالصَّادِ المُهْمَلَةِ التّأَسيسِ، وَالتأَسيسُ مأَخوذٌ مِنَ الرَّهَصِ، وهو البُنْيَانُ الأَوَّلُ مِنَ الحَائطِ.
وَخَرَجَ بِعَدَمِ المُعَارِضِ السّحْرُ وَالشّعْبَذَةُ؛ فَإِنَّه يُمْكِنُ مُعَارضتُهَا.
قَالَ الآمِدِيُّ: وَوَجْهُ (اشْتِرَاطِ) كَوْنِ المبعوثِ إِلَيْهِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ المُعَارضَةُ أَنَّهُ لَو لَمْ يكن كَذَلِكَ لَسَاوَى النَّبِيَّ غيرُه، وَخَرَجَ المُعْجِزُ عَن كَوْنِه نَازِلاً مِنَ اللَّه مَنْزِلَةِ التّصديقِ.
وأُورِدَ علَى هذَا التَّعْرِيفِ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَنْبَغِي تقييدُ المُعَارضِ بِكَوْنِه مُمَاثِلاً لِمَا أَتَى بِهِ الرّسولُ إِنْ كَانَ تَحَدِّيهِ بِخَارقٍ مُعَيَّنٍ، كَمَا قَالَ أَكثرُ أَصحَابِنَا، وَاختَارَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذلكَ.
وقَالَ الآمِدِيّ: إِنَّهُ الحَقُّ.
ثَانِيهَا: يُشْتَرَطُ أَيضًا أَنْ يَكُونَ الخَارقُ/ (239/ب/م) غَيْرَ مُكَذِّبٍ له، فلو أَنْطَقَ جمَادًا أَو أَحْيَا مَيْتًا فَأَخبرَ بِكذبِه لَمْ تَكُنْ معجزةً له، ولَمْ تَدُلَّ علَى صِدْقِهِ علَى الصّحيحِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وجَزَمَ بِهِ إِمَام الحَرَمَيْنِ فِي (الرسَالةِ النّظَاميةِ).
ثَالِثُهَا: قَيَّدَ ذَلِكَ بعضُهم بأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ التّكليفِ؛ للاَحترَازِ عَمَّا يَقَعُ فِي القِيَامةِ مِنَ الخَوَارقِ، قَالَهُ الأَستَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ.