ص: أَرْسَلَ الرّبُّ تعَالَى رُسُلَهُ بِالمعجزَاتِ البَاهرَاتِ، وخَصَّ مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بِأَنَّهُ خَاتِمُ النّبِيِّينَ، المبعوثُ إِلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، المُفَضَّلُ علَى جَمِيع العَالَمِينَ، وبَعْدَه الأَنبيَاءُ، ثُمَّ الملاَئكةُ، عَلَيْهِم السّلاَمُ.
ش: مِمَّا يَجِبُ اعتقَادُه بَعْثَةُ اللَّهِ لِلرُّسُلِ وإِقَامةُ الأَدلَّةِ علَى صِدْقِهم بِمَا أَجْرَاه علَى أَيدِيهم مِنَ المُعْجِزَاتِ البَاهرَاتِ لإِقَامةِ الحُجَّةِ علَى خَلْقِه، وَالمُرَادُ الحُجَّةُ الظَّاهِرةُ التي يُشَارِكُه فِي العِلْم بِهَا خَلْقُه، وأَمَّا الحُجَّةُ الحَقِيقِيَّةُ المُتَفَرِّدُ هو بِعِلْمِهَا فهي قَائمةٌ علَى الخَلْقِ بِدُونِ الرّسُلِ؛ لأَنَّهُ سُبْحَانَه حَكَمٌ عَدْلٌ، وأَنْكَرَ ذَلِكَ طوَائفٌ مِنَ الفلاَسفةِ وَغَيْرِهم وأَنكروا جَمِيعَ مَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ.
وأَمَّا كَوْنُ نَبِيِّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- خَاتِمَ النّبِيِّينَ فَهو منصوصٌ عَلَيْهِ فِي التّنزيلِ، وقَالَ هو: (لاَ نَبِيَّ بَعْدِي) وهو ثَابِتٌ فِي الصّحيحَيْنِ، وفِي تَهْذِيبِ الآثَارِ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ: ((لاَ نَبِيَّ بَعْدِي/ (238/أَ/م) إِنْ شَاءَ اللَّهُ))، وهذه الزّيَادةُ موضوعةٌ، وَضَعَهَا مُحَمُّدُ بْنُ سَعِيدٍ المَصْلُوبُ كَمَا قَالَهُ الحَاكِمُ فِي (الإِكْلِيلِ) ولَوْ صَحَّتْ لَكَانَ هذَا الاستثنَاءُ لأَجْلِ عيسَى فإِنَّ نُبُوَّتَهُ لَمْ تَنْقُطْ، وإِنْ كَانَتْ شريعتُه قَدْ نُسِخَتْ، وتأَوَّلَهَا ابْنُ عبدِ البَرِّ فِي (التَّمْهِيدِ) علَى الرّؤْيَا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَه مِنْ أَجزَاءِ النّبُوَّةِ غيرِهَا.
وَالمخَالفُ فِي ذَلِكَ فِرْقَةٌ مِنَ الفلاَسفةِ قَالُوا: إِنَّ النّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ.
وفِي (ذَمِّ الكلاَمِ) لِلْهَرَّوِيِّ: أَنكروا علَى ابْنِ حِبَّانَ قَوْلَه: (النبوةُ العِلْمُ