يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِ} وإِنَّمَا كَانَ بيدِه لأَنَّهُ خَالِقَهمَا وَالفَاعِلُ لهمَا، قَالَ تعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَْنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلُ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرِجًا}.

قَالَ البيهقيُّ: وهذه الآيةُ كَمَا هي حُجَّةٌ فِي الهدَايةِ وَالإِضلاَلِ فهي حُجَّةٌ فِي خَلْقِ الهدَايةِ وَالضلاَلِ؛ لأَنَّهُ قَالَ: (يَشْرَحُ وَيَجْعَلُ) وذَلِكَ يُوجِبُ الفِعْلَ وَالخلقَ.

وَالمخَالِفُ فِي ذَلِكَ المُعْتَزِلَةُ، قَالُوا: إِنَّ العبدَ يَخْلِقُ أَفعَالَ نفسِهِ مِنْ هُدًى وضلالٍ، وإِنَّ نسبةَ الهدَايةِ إِلَى اللَّهِ إِنَّمَا هي بمعنَى أَنَّهُ أَعَانَ عَلَيْهَا بِخَلْقِ القُدْرَةِ، وأَنَّهُ تعَالَى لاَ يُضِلُّ أَحدًا، وإِنَّمَا الضَّالُّ أَضلَّ نفسَهُ، ولو أَضلَّهُ اللَّهُ لَظَلَمَهُ، ونسبةُ الإِضلاَلِ إِلَى اللَّهِ معنَاهَا مَنْعُ الأَلطَافِ التي يحصُلُ بِهَا الاهتدَاءُ، ويُقَالُ لهم: مَنْعُ الأَلطَافِ إِمَّا أَنْ يُوجِبُ الضّلاَلُ فيلزمُكُمْ المحذورُ مِنْ أَنَّهُ هو الخَالقُ له، أَو لاَ يُوجِبُه فَلاَ يُؤَثَرُ.

فإِنْ قَالُوا: مَنْعُ الأَلطَافِ مُرَجِّحٌ للضلالِ غَيْرِ مُوْجِبٍ/ (190/ب/د) له، وإِنَّمَا الموجبُ لَهُ فِعْلُ العبدِ.

قيلَ لهم: الموجِبُ لَهُ فِعْلُ العبدِ وحدَه، أَو مَعَ مَنْعِ اللّطفِ الأَوَّلِ بَاطلٌ؛ لأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَنْعُ اللطفِ مُرَجَّحًا فَالفعلُ غَيْرُ مستقِلٍّ بذلك، فتعيَّنَ الثَّانِي، وهو أَنَّ الموجِبَ المجموعُ، ويلزَمُ المحذورُ الذي أُلْزِمُوا بِهِ.

ثم بَيَّنَ المُصَنِّفُ رحمه اللَّهُ أَنَّ الاهتدَاءَ هو الإِيمَانُ، فكلُّ مَا صَارَ بِهِ المرءُ مؤمِنًا فَهُوَ الهدَايةِ كمَا قَالَ تعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ}.

ولِلَّهدَايةِ معنًى آخرُ، وهو بيَانُ الطريقِ كمَا قَالَ تعَالَى: {وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى علَى الهُدَى} ومنه قَوْلُه: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015