مِنْ أَمَامِي)) وَقَدْ وَافَقَ المُعْتَزِلَةُ علَى أَنَّهُ تعَالَى يرَى عبَادَه، فهذَا رَاءٍ لَيْسَ فِي جهةٍ، ووَافَقَ جُمْهُورُهُمْ علَى أَنَّ الرَّبَّ تعَالَى يرَى نَفْسَه فَهَذَا مَرْئِيٌّ لَيْسَ فِي جِهَةٍ.
وقَالَ الشَّيْخُ عزُّ الدّينِ بْنُ عبدِ السّلاَمِ فِي فتَاويه: أَمَّا رؤيةُ الربِّ فِي الآخرةِ فإِنَّه يرَى بِالنورِ الذي خَلَقَه فِي الأَعينِ زَائدًا علَى نورِ العِلْمِ، فإِنَّ الرّؤيةَ تَكْشِفُ مَا لاَ يَكْشِفُهُ العِلْمُ، ولو أَرَادَ الرَّبُّ تعَالَى أَن يَخْلِقَ فِي القلبِ نورًا مِثْلَ نورِ الأَعينِ لمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ، بَلْ لو أَرَادَ أَنْ يَخْلِقَ نُوْرَ الأَعْيُنِ فِي الأَيدي وَالأَرْجُلِ لأَمْكَنَ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَدْ تَبِعَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الخطَّابِيَّ فِي جَعْلِ مسأَلةِ الرّؤيةِ مِنْ عقَائدِ الإِيمَانِ وَاستدلَّ لَهُ بمَا/ (234/أَ/م) فِي صحيحِ البخَاريِّ، عَن أَبِي هريرةَ أَنَّ رجلاً قَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بَاللَّهِ وَمَلَاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِِالْبَعْثِ)) وقَالَ: قَوْله: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِلْقَائِه)) فِيهِ إِثبَاتُ رؤيةِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الآخرةِ.
وقَالَ البيهقيُّ: عندي لو وَقَفَ +الحَلِيميِّ علَى هذَا الحديثِ وتأَوَّلَ اللّقَاءَ فِيهِ علَى مَا تأَوَّلَهُ الخطَّابِيُّ وجمَاعةٌ مِنْ أَصحَابِنَا لجعَلَ الإِيمَانِ بلقَاءِ اللَّهِ وهو رؤيتُه وَالنظَرُ إِلَيْهِ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ، انْتَهَى.
وقَالَ بعضُهم: المُرَادُ بِاللقَاءِ هُنَا لقَاءُ الأَروَاحِ لربِّ العَالمينَ عقبَ الموتِ وَالبعثِ الآخرِ هو بعثُ الأَشبَاحِ وَرَدِّ الأَروَاحِ إِليهَا.
قَالَ: وهو الأَشبهُ بسيَاقِ الحديثِ.
ثم حكَى المُصَنِّفُ الخِلاَفَ فِي مسأَلتينِ.
إِحْدَاهُمَا فِي جَوَازِ رؤيةِ اللَّهِ تعَالَى بِالأَبصَارِ فِي الدّنيَا، وفِي ذَلِكَ قولاَنِ للأَشعريِّ حكَاهمَا القشيريُّ.