وَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي كلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى ثلاَثةُ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا ـ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ-: أَنَّهُ الكلاَمُ النَّفْسَانِيُّ القَائمُ بِالذَّاتِ الْمُنَزَّهُ عَنْ حَرْفٍ وصَوْتٍ/ (231/ب/م).
الثَّانِي ـ وَبِهِ قَالَ المُعْتَزِلَة ـ: إِنكَارُ الكلاَمِ النَّفْسِيِّ وجَعْلِهِ مِنْ صِفَاتِ الأَفْعَالِ، ويقولون فِي قَوْلِهِ تعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}: إِنَّ المُرَادَ أَنَّهُ خَلَقَ الكلاَمَ فِي الشَّجَرَةِ.
قَالُوا: وَالمُحْدِثُ لِهذه البِدْعَةِ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ الذي ضَحَّى بِهِ خَالِدٌ الْقَسْرِيِّ، أَيْ: ذَبَحَهُ يَوْمَ الأَضْحَى.
الثَّالِثُ ـ وَبِهِ قَالَ الْحَشَوِيَّةُ ـ: أَنَّهُ تعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِحَرْفٍ وصَوْتٍ قَائمٍ بِذَاتِهِ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ أَلْزَمَ حُلُولَ الحوَادثِ بِذَاتِهِ، وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: بَلِ الحُرُوفُ وَالأَصوَاتُ قديمةٌ.
وأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ القَوْلَ بِخَلْقِ القرآنِ أَبُو عَلِيٍّ الجُبَّائِيِّ وتَبِعَهُ المُعْتَزِلَةُ.
الأَمرُ الثَّالِثُ: أَنَّ القرآنَ مكتوبٌ فِي مصَاحفِنَا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ)) ولِهذَا قَالَ بَعْضُ أَصحَابِنَا: إِنَّهُ يَنْعَقِدُ اليَمِينُ بِالْمُصْحَفِ فِي حَالةِ الإِطلاَقِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ أَفْتَى أَبُو الْقَاسِمِ الدُّولَعِيُّ خَطِيبُ دِمَشْقَ مِنْ مُتأَخِّرِي