قَالَ: وهذَا وإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَدِ انتشرَ، وظهَرَ ظهورًا لاَ يُرَدُّ.

قَالَ: وَقَدْ أَخَذَ الأَشعريُّ من جوَابِ/ (184/ب/د) إِدريسَ أَجوبةً فِي مَسَائِلَ كثيرةٍ مِنْ هذَا الجنسِ، فأَوْضَحَ هذَا الجوَابَ فقَالَ: إِنْ أَرَادَ السَّائلَ: أَنَّ الدّنيَا علَى مَا هي عَلَيْهِ وَالقشرةُ علَى مَا هي عَلَيْهِ، فلم يَقُلْ مَا يُعْقَلُ، فإِنَّ الأَجسَامَ الكثيرةَ تَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ فِي مكَانٍ وَاحدٍ، وإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُصَغِّرُ الدّنيَا قَدْرَ القشرَةِ ويجعلُهَا فِيهَا أَو يُكَبِّرُ القِشْرَةَ قَدْرَ الدّنيَا فَيَجْعَلَهَا فِي القشرةِ، فَلَعَمْرِي اللَّهُ قَادرٌ علَى ذَلِكَ، وعلَى أَكثرَ منه.

قَالَ الشَّارِحُ: وإِنَّمَا لَمْ يَفْصِلْ إِدريسُ الجوَابَ هكذَا لأَنَّهُ معَانِدٌ، ولهذَا عَاقبَه علَى هذَا السّؤَالِ بِنَخْسِ العَيْنِ وهو عقوبةُ كلِّ سَائلٍ مِثْلِهِ، وتنَاوَلَ إِطلاَقُ المُصَنِّفِ القدرةَ علَى القُبْحِ وَالمخَالِفُ فِيهِ النَّظَّامُ قَالَ: القبحُ محَالُ علَى اللَّهِ، وَالمحَالُ غَيْرُ مقدورٍ عليه.

قَالَ الإِمَامُ: وقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: هو تعَالَى قَادِرٌ علَى كلِّ مُمْكِنٍ ولاَ قبيحَ إِلا مَا قبَّحَهُ اللَّهُ تعَالَى.

ص: مَا عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ أَرَادَهُ ومَا لاَ فلاَ.

ش: الإِرَادةُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَابعةٌ لِلْعِلْمِ، وعندَ المُعْتَزِلَةِ تَابعةٌ للأَمرِ؛ فأَهلُ السُّنَّةِ يقولونَ: اللَّهُ تعَالَى مُرِيدًا لِكُلِّ مَا عَلِمَ وُقُوعَهُ مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ وطَاعةٍ ومعصيةٍ، وَالمُعْتَزِلَةُ يقولونَ: يريدُ مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الخيرِ وَالطَاعةِ، سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ أَمْ لاَ، ولاَ يريدُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشّرِّ وَالمعصيةِ، سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ أَمْ لاَ، فَعِنْدَنَا إِيمَانُ أَبِي جَهْلٍ مأُمُورٌ بِهِ وَغَيْرُ مُرَادٍ، وكُفْرُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ومُرَادٌ، وعندَهم الأَمرُ بَالعَكْسِ.

قَالَ أَصحَابُنَا: ولو أَرَادَ مَا لاَ يَقَعُ لَكَانَ نَقْصًا فِي إِرَادتِه لِكَلاَلِهَا عَنِ النّفوذِ فِيمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015