وقَالَ الأَستَاذُ أَبُو منصورٍ: أَجمَعَ أَصحَابُنَا علَى أَنَّ العوَامَّ مؤمنونَ عَارفونَ بَاللَّهِ تعَالَى، وأَنهم حشوُ الجنَّةِ للأَخبَارِ وَالإِجمَاعِ فِيهِ، لكن مِنْهُم مَنْ قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ نَظَرٍ عَقْلِيٍّ فِي العقَائدِ، وَقَدْ حصَلَ لهم مِنْهُ القدرُ الكَافِي، فإِنَّ فِطْرَتَهُمْ جُبِلَتْ علَى توحيدِ الصَّانعِ وقِدَمِهِ وحدوثِ الموجودَاتِ، وإِن عَجَزُوا عَنِ التعبيرِ عَنْهُ علَى اصطلاَحِ المتكلِّمينَ، وَالعِلْمُ بِالعبَارةِ عِلْمٌ زَائدٌ لاَ يلزمُهم انْتَهَى.

وأَحسنَ المُصَنِّفُ فِي تنقيحِ منَاطِ الخِلاَفِ المتقدِّمِ بأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالتقليدِ الأَخْذُ بقولِ الغيرِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مَعَ احتمَالِ شَكٍّ أَو وَهْمٍ، كمَا فِي تقليدِ إِمَامٍ فِي الفروعِ، مَعَ تجويزِ أَنْ يَكُونَ الحقُّ فِيهِ خلاَفَه ـ فهذَا لاَ يَكْفِي فِي الإِيمَانِ عِنْدَ أَحدٍ لاَ الأَشعريِّ ولاَ غيرِه، وإِنْ أُرِيدَ بِهِ الاعتقَادُ الجَازمُ لاَ لموجبٍ فهذَا كَافٍ فِي الإِيمَانِ، ولم يخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلا أَبُو هَاشمٍ مِنَ المُعْتَزِلَة، كَذَا حَكَاهُ المُصَنِّف عَنْ وَالدِهِ، وسَبَقَهُ إِلَيْهِ الآمِدِيُّ فقَالَ فِي (الأَبكَارِ): صَار أَبُو هَاشمٍ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ بِالدليلِ فهو كَافرٌ، لأَنَّ ضدَّ المعرفةِ النّكرةُ، وَالنكرةُ كُفْرٌ، وأَصحَابُنَا مُجْمِعُونَ علَى خلاَفِهِ، وإِنَّمَا اختلفُوا فِي معتقدِ الحقِّ

بِغَيْرِ دليلٍ، فمِنْهُم من قَالَ: هو عَاصٍ، وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: لَيْسَ بعَاصٍ، وهذَا معنَى كلاَمِه، وهو اللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: فليُجْزِمْ عقدَه بأَنَّ العَالِمَ مَحْدَثٌ وَلَهُ صَانعٌ وهو اللَّهُ الوَاحِدُ، وَالوَاحِدُ الشّيءُ الذي لاَ ينقسِمُ/ (181 ب/د) ولاَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ.

ش: اخْتُلِفَ فِي أَنَّ العَالَمَ ـ بفتحِ اللاَّمِ ـ مشتقٌ مِنَ العِلْمِ أَو العلاَمةِ/ (225/أَ/م) لأَنَّهُ علاَمةٌ علَى وُجُودِ صَانعِه؟ ويَنْبَنِي علَى هذَا الخِلاَفِ أَنَّ العَالَمَ هَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ الممكنَاتِ أَو يختصُّ بذوي العِلْمِ؟ وَالأَصَحَّ عمومُه، وهو عِنْدَ المتكلِّمِينَ: كلُّ مَوْجُودٍ سوَى اللَّهِ تعَالَى، وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: سوَى اللَّهِ وصفَاتِه، ولاَ يُحْتَاجُ إِلَى هذه الزِّيَادةِ فإِنَّ إِطلاَقَ اسمِ اللَّهِ تعَالَى اسمٌ لَهُ بجميعِ صفَاتِه، فإِنَّ الصّفَاتِ ليسَتْ غَيْرَ اللَّهِ كَمَا تقرَّرَ عِنْدَ الأَشعريِّ.

وَالعَالَمُ مُحْدَثٌ بإِجمَاعِ أَهْلِ المِلَلِ ولم يخَالِفْ فِيهِ إِلا الفلاَسفةُ، وَمِنْهُم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015