ولَمْ يَقَعْ للشَّافِعِيِّ ذِكْرُ قولَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحدٍ مِنْ غَيْرِ ترجيحٍ لأَحَدِهُمَا إِلاَّ فِي بِضْعِ عشرةَ مسأَلةً، كمَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ (اللُّمَعِ) عَنِ القَاضِي أَبِي حَامدٍ المَرْوَزِيِّ، ووَهِمَ صَاحبُ (المَحْصُولِ) فِي نَقْلِه ذَلِكَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامدٍ، وفِي تعيينِه أَنَّهَا سَبْعَ عشرةَ/ (204/أَ/م) وتَتِمَّةُ كلاَمِ/ (165/ب/د) القَاضِي أَبِي حَامدٍ سِتَّةَ عشرَ أَو سبعةَ عشرَ.
وقَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ: قَالَ المُحَقِّقُونَ: لاَ تكَادَ تَبْلُغُ عشرًا.
وَاختلاَفُ أَقوَالِ الشَّافِعِيِّ فِي المَسْأَلَةِ يَدُلُّ علَى عُلَوِّ شأَنِهِ فِي العِلْمِ لاتِّسَاعِ نَظَرِهِ ودَوَامِ اجتهَادِهِ وعملِه، وفِي الدّينِ حيثُ لَمْ يَسْتَنْكِفْ فِي الأُولَى مِنَ الرّجوعِ عمَّا ظَهَرَ لَهُ فَسَادُه، ولَمْ يَتَعَصُّبْ لِترويجِ مذهبِه، ولَمْ يُقَدِّمْ فِي الثَّانِيةِ علَى الجَزْمِ بِمَا هو مُتَرَدِّدٌ فِيهِ.
فإِذَا لَمْ يَعْلَمِ المُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا، أَو ذَكَرَهُمَا فِي وقتٍ وَاحدٍ، ولَمْ يَذْكُرْ مَا يُشْعِرُ بِترجيحِ أَحَدِهُمَا، وكَانَ أَحَدَهُمَا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ أَبِي حنيفةَ، وَالآخَرُ مُخَالفًا لَهُ ففِيه ثلاَثةُ أَقوَالٍ.
أَحَدِهَا ـ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامدٍ ـ: أَنَّ مُخَالفتَه أَوْلَى؛ لأَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا خَالفَه لاطِّلاَعِه علَى دَلِيلٍ يَقْتَضِي المُخَالفةَ.
وَالثَّانِي ـ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ ـ: أَنَّ المُوَافِقَ لَهُ أَوْلَى، وصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وكأَنَّهُ بَنَاه علَى طريقتِه فِي التَّرْجِيحِ فِي المَذْهَبِ بِالكثرةِ كَالرِّوَايَةِ، وهو ضعيفٌ.
ثَالِثِهَا: أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي أَرجحِهمَا بِالطريقِ المُعْتَبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا الرَّاجِحُ تَوَقَّفْنَا، وهذَا هو الأَصَحُّ عِنْدَ المُصَنِّفِ.
ص: وإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلمُجْتَهِدِ قَوْلٌ فِي مَسْأَلْةٍ لَكِنْ فِي نَظِيرِهَا فهو قَوْلُهُ المُخْرَّجُ فِيهَا علَى الأَصَحِّ، وَالأَصَحُّ لاَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا، ومِنْ مُعَارضةِ نَصٍّ آخَرَ لِلنظيرِ تَنْشَأُ الطُّرُقُ.
ش: إِذَا لَمْ يُعْرَفْ للمجتهدِ فِي مسأَلةٍ قَوْلٌ، وإِنَّمَا عُرِفَ لَهُ مثلُه فِي نظيرِهَا، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يخرجَ مِنْ نصِّه فِي تِلْكَ إِلَى هذه ويُعْرَفُ حكمُهَا قَالَ