القِسْمُ الخَامِسُ: المَنْعُ مِنْ فِعْلٍ قَدْ يُفَوِّتُ مَا طَلَبَه الشَّارِعُ مِنَّا قَبْلَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تعَالَى: {فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ} فإِنَّه يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ عَنِ البَيْعِ تَفْوِيتُهُ السَّعْيَ المَأُمُورَ بِهِ ثُمَّ حَكَى المُصَنِّفُ عَنِ الأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّعْلِيلِ بِالإِيمَاءِ مُنَاسَبَةُ المُومَأِ إِلَيْهِ، وَوَرَاءَهُ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: اشْتِرَاطُهُ مُطْلَقًا، وَاختَارَهُ الغَزَالِيُّ.
ثَانِيهُمَا ـ وَاختَارَهُ ابْنُ الحَاجِبِ ـ: الاشْتِرَاطُ إِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ مِنَ المُنَاسَبَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((لاَ يَقْضِي القَاضِي وَهُوَ غَضْبَانٌ)) وإِلاَّ فلاَ، وَالخِلاَفُ بِالنِّسَبَةِ إِلَى الظَّاهِرِ، وهي مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِ الأَمْرِ قَطْعًا للاتِّفَاقِ علَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الأَحكَامِ مِنَ الحِكْمَةِ إِمَّا فَضْلاً أَو وُجُوبًا، علَى الخِلاَفِ المَعْرُوفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: الرَّابِعُ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وهو حَصْرُ الأَوصَافِ فِي الأَصْلِ، وإِبطَالُ مَا لاَ يَصْلُحُ فَيتَعَيَّنُ البَاقِي، ويَكْفِي قَوْلُ المُسْتَدِلِّ: بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ، وَالأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا، وَالمُجْتَهِدُ يَرْجِعُ إِلَى ظَنِّه، فإِنْ كَانَ الحَصْرُ وَالإِبطَالُ قَطْعِيًّا فَقَطْعِيٌّ وإِلاَّ فَظَنِّيٌّ، وهو حُجَّةٌ للنَّاظِرِ وَالمُنَّاظِرِ عِنْدَ الأَكْثَرِ، وثَالِثُهَا: إِنْ أَجْمَعَ علَى تَعْلِيلِ ذَلِكَ الحُكْمِ، وَعَلَيْهِ إِمَامُ الحَرَمَيْنِ، ورَابِعُهَا: للنَّاظِرِ دُونَ المُنَاظِرِ.
ش: الرَّابِعُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وهو أَنْ يَحْصُرَ المُسْتَدِلُّ الأَوصَافَ التي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الأَصْلُ المَقِيسُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُبْطِلُ مِنْهَا مَا لاَ يَصْلُحُ للتَعْلِيلِ، فَيَتَعَيَّنُ البَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ.