وعن بعضهم أنه قال: طمعت يومًا مرة في شيء من أمر الدنيا، فهتف بي هاتف وهو يقول: يا هذا إنه لا يحمد بالحر المريد إذا كان يجد عند الله كل ما يريد أن يركن بقبله إلى العبيد.
واعلم أن لله عبادًا يخفى عليهم الطمع فيمن يملك لهم ما فيه يطمعون حتى تكون الأشياء داخلة عليهم من حيث لا يطمعون، ويرون أن حالة الطمع نقص في الأحوال، وهو أدنى درجة من درجات العارفين من أهل التوكل، ولا يخطر على قلب مريد شيء من الطمع ويساكنه، إلا لأجل كمال البعد من الله عز وجل، حيث طمع في مخلوق مثله، وهو يرى أن مولاه مطلع عليه، ثم لم يحجزه الخوف من ذلك.
* * *
فالأصل فيه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".
وقيل: إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود من صدقني في سريرته صدقته عند المخلوقين في علانيته.
واعلم أن الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه، وهو ثاني درجة النبوة، وهو قوله عز وجل: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69].
والصادق هو الاسم اللازم من الصدق، والصديق هو المبالغة منه، وهو من تكرر منه الصدق فصار دأبه وسجيته، وصار الصدق غالبه، فالصدق استواء السر والعلانية، فالصادق هو الذي صدق في أقواله، والصديق من صدق في أقواله وجميع أفعاله وأحواله.