(الوصية)
اعلموا رحمكم الله أن ليلتكم هذه ليلة الوداع لشهركم الذي شرفه الله وعظمه، ورفع قدره وكرمه، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، ونزول الرحمة فيه عليكم من الله والرضوان، جعله الله مصباح العام وواسطة النظام، وأشرف قواعد الإسلام المشرقة بأنوار الصيام والقيام، أنزل الله تعالى فيه كتابه وفتح فيه للتأبين أبوابه، فلا دعاء فيه إلا مسموع، ولا خير إلا مجموع، ولا ضر إلا مدفوع، ولا عمل إلا مرفوع، الظافر الميمون من اغتنم أوقاته، والخاسر المغبون من أهمله ففاته، شهر جعله الله لذنوبكم تطهيرًا، ولسيئاتكم تكفيرًا، ولمن أحسن منكم صحبته ذخيرة ونورًا، ولمن وفَّى بشرطه ورعى حرمته فرحًا وسرورًا، شهر تورع فيه أهل الفسق والفساد، وزاد فيه من الرغبة إلى الله أهل الجد والاجتهاد، شهر عمارات القلوب وكفارات الذنوب واختصاص المساجد بالازدحام والتحاشد، وهبوط الأملاك بصكاك العتق والفكاك، شهر فيه المساجد تعمر، والمصابيح تزهر والآيات تذكر، والقلوب تجبر والذنوب تغفر، شهر فيه تشرق المساجد بالأنوار، وتكثر الملائكة لصوامه من الاستغفار، ويعتق فيه الجبار في كل ليلة عند الإفطار ستمائة ألف عتيق من النار، وتنزل فيه البركات، وتعظم فيه الصدقات، وتكفر فيه السيئات، وتقال فيه العثرات، وتدفع فيه النكبات، وترفع فيه الدرجات، وترحم فيه العبرات، وتنادى فيه الحوار الحسان من الجنات: هنيئًا لكم يا معشر الصائمين والصائمات، والقائمين والقائمات، بما أعد الله لكم من الخيرات، لقد غمرتكم البركات، واستبشر بكم أهل الأرض والسموات، فرحم الله امرأ مهد فيه لنفسه قبل حلول رمسه، واشتغل بيومه عن غداه وأمسسه، وتزود من تقيه زاده، ففي نفاده نفاد عمره، وأظهر لفراق شهره جزعه، وسلم على شهره وودعه، وقال: السلام عليك يا شهر رمضان، السلام عليك يا شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، السلام عليك يا شهر التجاوز والغفران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهر التحف والرضوان، السلام عليك يا شهر النسك والتعبد، السلام عليك يا شهر الصيام والتهجد، السلام عليك يا شهر التراويح، السلام على يا شهر الأنوار والمصابيح، السلام عليك يا أنس العارفين، السلام عليك يا فخر الواصفين، السلام عليك يا نور