أحدهما: ظاهر يعرفه العوام والخواص، وهو كوجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان والزكاة والحج وغير ذلك، ومن المنكر: كتحريم الزنا وشرب الخمر والسرقة وقطع الطريق والربا والغصب وغير ذلك، فهذا القسم يجب إنكاره على العوام، كما يجب على الخواص من العلماء.
والقسم الثاني: ما لا يعرفه إلا الخواص، مثل: اعتقاد ما يجوز على الباري تعالي وما لا يجوز عليه.
فهذا يختص إنكاره بالعلماء، فإن أخبر أحد من العلماء بذلك واحدًا من العوام جاز له ذلك.
ووجب على العامي الإنكار عند القدرة على ما بينا، ولا يجوز قبل ذلك.
وأما الذي كان الشيء مما اختلف الفقهاء فيه وساغ في الاجتهاد، كشرب عامي النبيذ مقلدًا لأبي حنيفة رحمه الله، وتزج امرأة بلا ولي على ما عرف من مذهبه، لم يكن لأحد ممن هو على مذهب الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله الإنكار عليه، لأن الإمام أحمد قال في رواية المرزوي: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم، وإذ ثبت هذا فالإنكار إنما يتعين في حرق الإجماع دون المختلف فيه.
وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على جواز الإنكار في المختلف فيه وهو ما قال في رواية الميموني في الرجل يمر بالقوم وهو يلعبون بالشطرنج ينهاهم يعظهم، ومعلوم أن هذا جائز عند أصحاب الشافعي رحمهم الله.
(فصل) وينبغي لكل مؤمن أن يعل بهذه الآداب في سائر أحواله، ولا يترك العمل بها.
وقد روى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ((تأدبوا ثم تعلموا)).
وقال أبو عبد الله البلخي رحمه الله: ((أدب العلم أكثر من العلم)).
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: ((إذا وصف لي رجل له علم الأولين والآخرين ولا أدب له لا أتأسف على فوت لقائه، وإذا سمعت برجل له أدب النفس أتمنى لقاءه وأتأسف على فواته)).
ويقال مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمسة من الحصون، الأول من ذهب، والثاني من