وحضرت أبا بحر بن عبد الصمد الشاعر قد قصده بقصيدة صنعها فيه وبين يديها مقامة من نثر حسن فقرأها بين يديه فاستحسن كلامه واهتز له سمعته يقول له: أبو من؟ فقال له: أبو بحر فقال له: إنك لبحر عند اسمك، وأول القصيدة:
تهون الصوارم تحت الحلل ... وتهتز فوق الطلا والقلل
ومنها:
فدى للفقيه ابن عبد المليك ... رجالٌ حلومهم تستزل
يرومون إدراك غاياته ... وهيهات بالقول لا بالعمل
جرى وجروا في ميادينه ... فجاء بها سابقاً في مهل
إمامٌ أقام منار الهدى ... وعز على أهل تلك النحل
وبين للناس فصلاً ففصلاً ... غوامض أسرار تلك الملل
وضم إلى الرأي متن الحديث ... وعلم الكلام وفهم الجدل
سمع منه جماعة ممن أدركناه من شيوخنا وغيرهم منهم: أبو إسحاق ابن جعفر الفاسي أخبرني عنه بكتاب مسند الموطأ للجوهري عن ابن نفيس عن مؤلفه، ومنهم أديبنا أبو علي النحوي وخالاي أبو بكر وأبو محمد ابنا الجوزي. وتصدر قديماً لإقراء القرآن بسبتة وكان مقرئاً متفنناً فقيهاً لغوياً، وله شعر فيه تقعر وخطب فصيحة قوية العارضة كثيرة الغريب، وتوفي بطنجة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة عن سن عالية [قبل الزوال يوم الأربعاء الموفى عشرين من رجب ودفن يوم الخميس وصلى عليه ابنه الأوسط عبد الوهاب، ومولده سنة إحدى وعشرين] .