وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَالْمُشْتَرِي اعْتَرَفَ بِقَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْفَسْخِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَكَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَالثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَالِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَيَيْنِ، وَالْبَائِعُ فِي الثَّالِثَةِ وَمَا فِي كَلَامِهِ نَافِيَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي: قَوْله تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] أَيْ لِفَرْقٍ خَفِيٍّ جِدًّا.
(بَابُ السَّلَمِ) وَالْقَرْضِ وَيُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمَا سَلَفًا يُقَالُ: أَسْلَمَ وَسَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ، وَسُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ. فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالسَّلَمِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَالسَّلَمُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَهُوَ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ نَحْوِهِ
، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْبَيْعِ، إلَّا الرُّؤْيَةُ وَيَخْتَصُّ بِأُمُورٍ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ حَيْثُ الْعَقْدُ تَمْ وَالْعَيْنِ فِي مَنْفَعَةٍ شَرْطُ السَّلَمِ) أَيْ: وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عَيْنًا، وَقَبْضُ الْعَيْنِ إنْ كَانَ مَنْفَعَتُهَا كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ شَهْرًا أَوْ تَعْلِيمُ سُورَةٍ، وَذَلِكَ بِقَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ وَكِيلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ لِنُزُولِ التَّأْخِيرِ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِيَّةِ فِي الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ، فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ تَعْجِيلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ السَّلَمِ) (قَوْلُهُ وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ فِي الْإِسْعَادِ: وَقَوْلُ الْحَاوِي: قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ أَمْرَانِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّرْطَ الْإِقْبَاضُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا بِالتَّسْلِيمِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ الْإِرْشَادُ، فَلَا يُجْزِئُ قَبْضٌ يَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ مِمَّا لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ إلَّا بِهِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الِاسْتِبْدَادَ بِالْقَبْضِ يَكْفِي فِي بَابِ الرِّبَا مَعَ أَنَّهُ أَضْيَقُ، وَلَوْ قُبِضَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، فَقَدْ صَحَّ فِيمَا يُقَابِلُهُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ قَالَ فِي الْعُبَابِ: لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا لِلْمُسْلِمِ. اهـ. أَيْ لِتَقْصِيرِ الْمُسْلِمِ بِعَدَمِ إقْبَاضِ الْجَمِيعِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَوَجْهُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ
(قَوْلُهُ حَيْثُ الْعَقْدِ تَمَّ) وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَرْطُ تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ شَرْحٌ رَوْضٌ. وَقَوْلُهُ شَرْطِ حُلُولِ إلَخْ أَيْ بِأَنْ يَشْرِطَهُ أَوْ يُطْلِقَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ) أَيْ رَأْسُ الْمَالِ مَنْفَعَتَهَا (قَوْلُهُ لِنُزُولِ التَّأْخِيرِ) ذُكِرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ هَذَا إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ) وَفِي التَّأْخِيرِ عُذْرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٌ، وَالْبَيْعُ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ أَيْ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. م ر وَعِ ش (قَوْلُهُ: وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ. . . إلَخْ) قَالَ ع ش، وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ إنْ جَرَى الْعَقْدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ لِلْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَإِنْ جَرَى عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ اهـ وَظَاهِرُ هَذَا وَلَوْ قُبِضَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ ع ش قَبْلَ هَذَا فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: لِتَقْدِيمِهِ) أَيْ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. اهـ. ق ل.
[بَابُ السَّلَمِ]
(بَابُ السَّلَمِ) (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ لَفْظِ السَّلَفِ خَاصَّةً قَالَ بَعْضُهُمْ: وَرَدَّهُ حَجَرٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِكِنَايَاتِ الْبَيْعِ أَيْضًا بِنِيَّةِ السَّلَمِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ حَيْثُ انْحَصَرَ فِي لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّعَبُّدُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ عِزَّةِ الْوُجُودِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَدَمُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا وَأَيْضًا رَأْسُ الْمَالِ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ اهـ. حَجَرٌ وع ش عَلَى م ر. وَلْيُحَرَّرْ قَوْلُ ع ش: يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ إلَخْ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ ق ل وَالرَّشِيدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِيمَا سَبَقَ وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي: إنَّ صِحَّةَ الِاعْتِيَاضِ مُنْتَفِيَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ حَيْثُ الْعَقْدِ تَمَّ) أَيْ فِي مَجْلِس وُقُوعِ الْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ وَالْعَيْنِ فِي مَنْفَعَةِ) وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَعِ ش عَلَيْهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ يَصِحُّ كَوْنُهَا رَأْسَ مَالٍ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً. سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْفَعَةَ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ لَا يَصِحُّ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالٍ، إلَّا إنْ كَانَتْ مَنْفَعَةَ غَيْرِ عَقَارٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا مُسْلَمًا فِيهَا إنْ كَانَتْ مَنْفَعَةَ غَيْرِ عَقَارٍ، لَا إنْ كَانَتْ مَنْفَعَتَهُ لِمَا ذُكِرَ اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ لَكَانَ ذَلِكَ إلَخْ) وَإِنَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ لَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ دَيْنٍ مُنْشَأٍ، وَذَلِكَ بَيْعُ دَيْنٍ ثَابِتٍ قُبِلَ بِدَيْنٍ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُتَخَلَّصُ مِنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ بِتَعْيِينِ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمَبِيعِ فِي الْمَجْلِسِ، وَذَلِكَ غَيْرُ كَافٍ هُنَا اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا هُنَا فِيهِ بَيْعُ الدَّيْنِ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ مُطْلَقًا أَيْ: اتَّحِدَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوْ لَا؟ ، سَوَاءٌ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ أَوْ لَا؟ ، فَرَاجِعْ حَوَاشِيَ الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ لِنُزُولِ التَّأْخِيرِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ اهـ. م ر. (قَوْلُهُ