الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ فَتَالِيَاهُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ: هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَتَالِيَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ فِي رِوَايَةٍ هِيَ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، وَفِي أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ وَهَذِهِ مَرْوِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ، وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ: تَعَالَى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] الْآيَةَ أَرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاحْتَجَّ أَئِمَّتُنَا بِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوَّلًا، وَبِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُسَمَّيَاتِ فَاخْتِلَافُ الْمَعْلُومَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ فِي الِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَعْنَى وَعَلَى قَوْلِ الْمُخَالِف يَتَدَاخَلَانِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الذَّبْحِ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَات بَلْ يَكْفِي وُجُودُهُ فِي آخِرِهَا، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16] ؛ إذْ لَيْسَ نُورُهُ فِي جَمِيعِهَا بَلْ فِي بَعْضِهَا وَبِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ فِي الْآيَةِ الذِّكْرُ عَلَى الْهَدَايَا وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ لِمَنْ رَأَى هَدْيًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَنْ يُكَبِّرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْبَيْعِ) يُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَسِيمُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَائِعِ وَحْدَهُ نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ تَقُولُ الْعَرَبُ: بِعْت بِمَعْنَى شَرَيْت وَبِالْعَكْسِ قَالَ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] وَقَالَ {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 102] وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ: بَائِعٌ وَبَيْعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ، الثَّانِي الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ وَهَذَا مُرَادُهُمْ بِالتَّرْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ
مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ ... وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ
وَشَرْعًا: مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَوْلِهِ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فَقَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَبَرُ «إنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلتَّشْرِيقِ إضَافَتُهَا إلَيْهِ فِي الْعِبَارَةِ فَيُقَالُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
(كِتَابُ الْبَيْعِ) (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَلَامُهُ بِحَسَبِ الشَّرْعِ، وَالِاصْطِلَاحِ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ بِقَوْلِ الْعَرَبِ مَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّرْعُ، وَالِاصْطِلَاحُ بِقَوْلِ الْعَرَبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ أَشَكَلَ قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى مَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي اللُّغَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْكَوْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مُعْتَبَرَاتٍ خَاصَّةً تَثْبُتُ اعْتِبَارُهَا لُغَةً أَيْضًا لَا يُقَالُ: مَا قَبْلَ الْعِلَاوَةِ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَالْعِلَاوَةِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْعِلَاوَةُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا قَبْلِهَا وَإِذَا كَانَ كُلٌّ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْرَاكُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى الْعَكْسِ. (قَوْلُهُ: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا} [البقرة: 102] أَيْ: بَاعُوا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ: الْبَيْعُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ هَذَا صَرِيحُ صَنِيعِهِ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُ: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَقَوْلُهُ: مُقَابِلَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ إذْ الْمُقَابَلَةُ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْعَقْدِ فَكَانَ الْمُوَافِقُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ الْمُقَابَلَةَ، وَقَدْ يُجْعَلُ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: ذُو مُقَابَلَةٍ.
(قَوْلُهُ: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) أَيْ: مَا يُقْصَدُ بِهِ التَّبَادُلُ عَادَةً لَا نَحْوُ سَلَامٍ بِسَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ بِقِيَامٍ فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ بَيْعًا لُغَةً كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَإِنْ جَرَى فِي تَدْرِيبِهِ عَلَى إطْلَاقِهِ ش ع. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ بَيْعٌ مَبْرُورٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ أَرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا التَّسْمِيَةَ عَلَى النَّحْرِ وَهُوَ فِي ثَلَاثَةٍ: النَّحْرِ، وَتَالِيَيْهِ فَصَدَقَ ذِكْرُ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا عِنْدَنَا مِنْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاحْتَجَّ أَئِمَّتُنَا بِمَا مَرَّ إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ؛ إذْ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَلَى الذَّبْحِ عِنْدَهُ لَيْسَ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لِخُرُوجِ يَوْمِ عَرَفَةَ تَدَبَّرْ
[بَابُ الْبَيْعِ]
(بَابُ الْبَيْعِ) (قَوْلُهُ: عَلَى أَمْرَيْنِ) بَقِيَ ثَالِثٌ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ الْعَلَقَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي نَحْوِ قَوْلِك: أَجَزْت الْبَيْعَ وَفَسَخْته؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إجَازَةُ نَفْسِ الْعَقْدِ، أَوْ فَسْخُهُ. اهـ. سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: نَقْلُ مِلْكٍ) إنَّمَا خَصَّ الْأَوَّلَ بِنَقْلِ الْمِلْكِ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الشِّرَاءِ لِلْمُثَمَّنِ وَحِينَئِذٍ فَقَبُولُ ذَلِكَ النَّقْلِ مَوْجُودٌ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ أَصَالَةً إنَّمَا هُوَ الْمَبِيعُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّمْلِيكُ، وَالتَّمَلُّكُ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ. شَيْخُنَا ذ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ