وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ» وَقَالَ: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَالَ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالثَّالِثَ أَبُو دَاوُد عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: طَارِقٌ رَأَى النَّبِيَّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ كُلِّ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَبَا إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ، وَالشُّرُوطِ، وَالْآدَابِ وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ
وَبَدَأَ بِشُرُوطِ صِحَّتِهَا، فَقَالَ (شَرْطُ) صِحَّةِ (صَلَاةِ جُمُعَةٍ) سِتَّةٌ أَحَدُهَا (أَنْ تَجْرِيَ كُلًّا) بِنَصْبِهِ تَمْيِيزًا مُحَوَّلًا عَنْ الْفَاعِلِ أَيْ: أَنْ تَقَعَ كُلُّهَا (مَعَ الْخُطْبَةِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (وَقْتَ الظُّهْرِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَمَا رَوَايَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ قَوْلِهِ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى شِدَّةِ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الزَّوَالِ جَمْعًا بَيْنَ الْإِجْبَارِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا يَنْفِي ظِلًّا يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا أَصْلَ الظِّلِّ، فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ لَقَدَّمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَعَ الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْوَاجِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: الْأَرْبَعَةَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ، وَلَا إشْكَالَ، وَحِينَئِذٍ، فَقَوْلُهُ: عَبْدٌ إلَخْ. خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أَيْ: هِيَ، أَوْ هُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ، بِأَنَّ إلَّا، بِمَعْنَى لَكِنْ، وَأَرْبَعَةٌ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنْهُ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ: لَكِنْ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ، بِالنَّكِرَةِ، وَهُوَ نَعْتُهُ، بِالْمَحْذُوفِ الْمَعْلُومِ مِنْ السِّيَاقِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. سم (قَوْلُهُ: إلَّا أَرْبَعَةٌ) إنْ كَانَ مَرْفُوعًا، فَوَجْهُهُ أَنَّ رَفْعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ لُغَةً خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]
(قَوْلُهُ: كُلًّا مَعَ الْخُطْبَةِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَقْدِيرَ قَوْلِهِ الْآتِي فِي خُطْبَةٍ أَنْ يَجْرِيَ كُلًّا مِنْ الْخِطَّةِ فِي خِطَّةٍ، فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ، وَهُوَ، أَوْ السَّامِعُونَ خَارِجَ الْخِطَّةِ لَمْ يَجُزْ م ر (قَوْلُهُ: لَقَدَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَدْ يُمْنَعُ لِجَوَازِ أَنَّ السُّنَّةَ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ مَعَ جَوَازِ تَقْدِيمِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَوْ جَازَ كَانَ الظَّاهِرُ تَقْدِيمَهَا، وَلَوْ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: صَلَّوْا ظُهْرًا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ، وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حِينَ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْقَلِبُ ظُهْرًا الْآنَ، أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ، وَنَظَائِرُهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ، بِصَلَاةٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْخُفِّ تَنْقَضِي فِيهَا، أَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ يَحْنَثُ، وَنَحْوُهُمَا تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي لَكِنْ يُفَرَّقُ، بِأَنَّ الْجُمُعَةَ أَحْوَطُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ الثَّانِيَ، وَلَا يَتَّجِهُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ الْمَذْكُورَةِ، بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا تَوَهَّمَ إذْ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْعُرْفِ إذْ تَأَخُّرُ الْحِنْثِ لِلْغَدِ لَيْسَ لِلْعُرْفِ إذْ الْعُرْفُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَضِيَّةُ اللُّغَةِ لَا الْعُرْفِ، فَتَأَمَّلْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ الْخُطْبَةِ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: «، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ» ) أَيْ يَجْعَلُ عَلَيْهَا شَيْئًا يَمْنَعُ قَبُولَهَا الْحَقَّ كَمَا يَمْنَعُ الْخَتْمُ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ
(قَوْلُهُ: لِتَقَعَ الصَّلَاةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ) أَيْ: وَقَدْ، وَرَدَ فِي ذَلِكَ الطَّلَبِ الْعَامِّ لِلْجُمُعَةِ، وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ إلَخْ) ، وَلَوْ رَكْعَةً خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَسْلِيمَةَ مَسْبُوقٍ) يُحْتَمَلُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَلَّمَ جَاهِلًا، وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ، وَعِلْمِهِ فَيُتِمُّ ظُهْرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى، وَوَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ أَيْ: تَقْدِيرًا بِحَيْثُ لَوْ سَلَّمَ سَلَّمَ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) ، وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الظُّهْرِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَوْ لَمْ يُجَدِّدُوا نِيَّةَ الظُّهْرِ قَالَ سم عَلَى التُّحْفَةِ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَجْدِيدِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
أَقُولُ: لَا نَظَرَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّجْدِيدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْآنَ مِنْ الظُّهْرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ يَقْتَضِي الْحَالَ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْوِيَ ابْتِدَاءً ظُهْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّرْقَاوِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ إتْمَامِهَا ظُهْرًا نَعَمْ يُسَنُّ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أُتِمَّتْ ظُهْرًا) يَحْتَاجُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الظُّهْرَ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْجُمُعَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت الْجُمُعَةَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مُوجِبُ الظُّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ، وَذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ، وَاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ التَّصْرِيحَ بِالصِّحَّةِ حِينَئِذٍ عَنْ م ر قَالَ: لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَضُرَّ. اهـ.