فِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ الْجَوَازُ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي (لَا لِشَاهِدَيْ كِتَابِهِ) أَيْ إنَّمَا يَذْكُرُ التَّعْدِيلَ لِشَاهِدَيْ الْحَقِّ كَمَا مَرَّ لَا لِشَاهِدَيْ الْكِتَابِ فَلَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمَا بِتَعْدِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ كَتَعْدِيلِ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِمَا فَلَا تَثْبُتُ بِهِ عَدَالَتُهُمَا وَإِلَّا لَثَبَتَتْ بِقَوْلِهِمَا، وَالشَّاهِدُ لَا يُعَدِّلُ نَفْسَهُ
(وَقُبِلَا) كِتَابُ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ (مِنْ فَوْقِ) مَسَافَةِ (عَدْوَى) بِخِلَافِ مَا دُونَهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَمَّا الْكِتَابُ بِالْحُكْمِ فَيَجُوزُ وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إذْ يَسْهُلُ إحْضَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ: اسْمَعْ دَعْوَى فُلَانٍ وَبَيِّنَتَهُ وَعَرِّفْنِي فَفَعَلَ.
قَالَ الشَّيْخَانِ: فَالْأَشْبَهُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الِاسْتِخْلَافِ لِلِاسْتِعَانَةِ بِالْخَلِيفَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي الِاعْتِدَادَ بِسَمَاعِهِ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْمُسْتَقِلِّ (وَلَدَى) أَيْ وَعِنْدَ (كُلٍّ) مِنْ الْقُضَاةِ (شَهِدْ) كُلٌّ مِنْ شَاهِدَيْ كِتَابِ الْحُكْمِ وَشَاهِدَيْ كِتَابِ السَّمَاعِ (وَلَوْ مِنْ الْكَاتِبِ تَعْمِيمٌ فُقِدْ) أَيْ وَلَوْ فُقِدَ تَعْمِيمُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كِتَابَهُ إلَى كُلِّ قَاضٍ فَلَوْ كَتَبَ إلَى مُعَيَّنٍ فَشَهِدَ الشَّاهِدُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ قُبِلَ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ (أَوْ خَالَفَ) الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ (الْكِتَابَ) أَيْ مَا فِيهِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ كَمَا مَرَّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْكِتَابِ، وَالْكِتَابُ تَذْكِرَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جَرَى رَسْمُ الْقُضَاةِ بِهِ حَتَّى لَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ أَوْ انْمَحَى أَوْ انْكَسَرَ خَتْمُهُ وَشَهِدَ بِمَضْمُونِهِ الْمَضْبُوطُ عِنْدَ قَبْلُ (أَوْ مَاتَ) الْكَاتِبُ (وَمَنْ إلَيْهِ مَكْتُوبٌ) أَيْ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى فَإِنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ بِمَا تَحَمَّلَهُ عَنْ الْكَاتِبِ، وَمَحَلُّهُ فِي مَوْتِ الْكَاتِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ نَائِبًا عَنْ الْكَاتِبِ فَلَوْ كَتَبَ إلَى نَائِبِهِ ثُمَّ مَاتَ تَعَذَّرَ الْقَبُولُ وَالْإِمْضَاءُ، وَكَالْمَوْتِ الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ بِجُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ فَكِّ خَتْمِ الْكِتَابِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِيَقِفَ الشَّاهِدُ عَلَى مَا فِيهِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرَّفْ أَوْ بَعْدَهَا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ الَّذِي فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّقْمِ الثَّانِي وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلُ، وَلَوْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا مِثْلَ مَا مَرَّ بِسَمَاعِ الشَّهَادَةِ فَهَلْ لِلْمُخَاطِبِ الْحُكْمُ بِهِ يَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إنْهَاءَ سَمَاعِهَا نَقْلٌ لَهَا كَنَقْلِ الْفَرْعِ شَهَادَةَ الْأَصْلِ أَمْ حُكْمٌ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْفَرْعِ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ كَمَا فِي الْحُكْمِ الْمُبْرَمِ وَهَذَا أَرْجَحُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(وَفِي الْغَائِبِ) أَيْ مِنْ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَتَّصِفُ بِالْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ دُونَ الدُّيُونِ وَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ أَيْ يَحْكُمُ الْقَاضِي فِي مَالٍ حَاضِرٍ مِنْ الْأَعْيَانِ بِمَجْلِسِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْمُدَّعِي إذَا تَمَّتْ حُجَّتُهُ وَفِي غَائِبٍ مِنْهَا عَنْ الْبَلَدِ (أَنْ يُعْرَفَ) بِأَنْ يُؤْمَنَ اشْتِبَاهُهُ بِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ وَفَرَسٍ وَعَقَارٍ مَعْرُوفَاتٍ بِحَيْثُ تُغْنِي شُهْرَتُهَا عَنْ ذِكْرِ صِفَاتِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَإِنْ كَانَ عَقَارًا عُرِفَ بِذِكْرِ الْحَدِّ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِالْحَدِّ فَلْيُعَرَّفْ) فَيُذْكَرُ مَعَ بَلَدِهِ وَمَحَلَّتِهِ وَسَكَنِهِ حُدُودَهُ الْأَرْبَعَ عَلَى مَا مَرَّ فِي الدَّعْوَى وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِدُونِهِ وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ دُونَ حُدُودِهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ يَحْضُرُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِالْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّعْوَى حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا حَكَمَ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ لِيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُدَّعِي
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَقَارٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ هُنَا) كَأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى قِسْمِ إنْهَاءِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُهُ: إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي لَا مِنْ الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ وَلَا مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى لَا غَائِبٍ سم (قَوْلُهُ لَا لِشَاهِدَيْ كِتَابِهِ) يَنْبَغِي رُجُوعُ ذَلِكَ لِقِسْمِ إنْهَاءِ الْحُكْمِ أَيْضًا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ فِي قِسْمِ إنْهَاءِ الْحُكْمِ قَبْلَ ذِكْرِ إنْهَاءِ الشَّهَادَةِ
(قَوْلُهُ: تَعَذَّرَ الْقَبُولُ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَذُّرُ مِنْ جِهَةِ النَّائِبِ لَا مُطْلَقًا فَلِلشُّهُودِ الْأَدَاءُ عِنْدَ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْأَدَاءِ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ الْكَاتِبُ فَلَهُ الْقَبُولُ وَالْإِمْضَاءُ سم (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَحْكُمُ بِالْفَرْعِ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ غَابَ الشُّهُودُ عَنْ بَلَدِ الْقَاضِي لِمَسَافَةٍ يَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَازَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ وَفِي غَائِبٍ مِنْهَا عَنْ الْبَلَدِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ إلَخْ مَفْرُوضٌ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ بِدُونِهِ) أَيْ ذِكْرِ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ دُونَ حُدُودِهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ إلَخْ) هَذَا فِي الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا الْحَاضِرَةُ فَسَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلْيَقُلْ: أَحْضِرْ إلَى مَا هُنَاكَ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ مَا هُنَا فِي الْغَائِبَةِ رَدُّهُ الْآتِي عَلَى الْبُلْقِينِيِّ وَقَوْلُهُ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلْيَقُلْ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ اهـ.
فَلَوْلَا أَنَّ هَذَا فِي الْغَائِبَةِ اتَّحَدَ مَعَ ذَاكَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ مَرَّ نَظِيرُهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُهُ هُنَا وَإِذَا حَكَمَ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْعَيْنِ إلَخْ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ يُحْضِرْهُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَلَدَ الْعَيْنِ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ، وَالثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِي وِلَايَتِهِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِيهَا وَيُجَابُ إمَّا بِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِذَا حَكَمَ إلَخْ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ قَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ فَقَطْ، وَأَمَّا بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ بَلَدًا لِعَيْنٍ فِي وِلَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْقَاضِيَيْنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ وَمَا عَدَاهَا وِلَايَةَ الْأَوَّلِ الْكَاتِبَ فَقَطْ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ يَبْعَثُ مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ يَذْهَبُ إلَيْهَا لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا ثُمَّ يَعُودُ لِبَلَدِهِ، وَيَحْكُمُ فِيهَا ثُمَّ يُنْهِي حُكْمَهُ لِلْقَاضِي الْآخَرِ لِيُسَلِّمَهَا لِلْمُدَّعِي وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا حُكْمَ الْعَقَارِ الْغَائِبِ الْغَيْرِ الْمَعْرُوفِ لِلشُّهُودِ وَيَنْبَغِي أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَقَارًا إلَخْ) فَالْعَقَارُ لَا يَكُونُ إلَّا مَأْمُونَ الِاشْتِبَاهِ إمَّا بِالشُّهْرَةِ وَإِمَّا بِالتَّحْدِيدِ كَمَا فِي الرَّشِيدِيِّ