(بَابُ الذَّكَاةِ) الْأَصْلُ فِيهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَهِيَ لُغَةً: التَّطْيِيبُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ أَيْ: طَيِّبَةٌ، وَالتَّتْمِيمُ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ذَكِيٌّ أَيْ: تَامُّ الْفَهْمِ. وَشَرْعًا: قَطْعُ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ ذَابِحٌ وَمَذْبُوحٌ وَآلَةٌ وَذَبْحٌ
(إذَا قَدَرْنَا) عَلَى الْحَيَوَانِ (فَالذَّكَاةُ الصَّالِحَهْ) لَهُ (خَالِصُ قَطْعِ جَائِزِ الْمُنَاكَحَهْ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. قَالَ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] (وَأَمَةِ الْكِتَابِ) أَيْ: وَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهَا إذْ لَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّبِيحَةِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ (حُلْقُومًا) وَ (مَرِيّ) بِالنَّصْبِ بِقَطْعِ، وَالْوَقْفِ عَلَى مَرِيّ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَحْتَ الْحُلْقُومِ وَتَرَكَ النَّاظِمُ هَمْزَهُ لِلْوَقْفِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْطَعَ مَعَهُمَا الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ خَالِصُ قَطْعِ غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ وَثَنِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ نَحْوِهِمْ وَمَا اشْتَرَكَ فِيهِ مَنْ ذُكِرَ وَغَيْرُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ نَعَمْ إنْ قَطَعَ الْمَجُوسِيُّ الْبَعْضَ وَبَقِيَتْ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُسْلِمُ الْبَاقِيَ حَلَّ وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَخَذَ فِي قَطْعِ الْمَذْبَحِ، وَآخَرُ فِي نَزْعِ الْحِثْوَةِ وَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَوْلُهُ (كِلَيْهِمَا) تَأْكِيدٌ وَهُوَ بِمَعْنَى تَمَامَ فِي قَوْلِ الْحَاوِي كَالْغَزَالِيِّ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَحْتَاجُ لِلَفْظِ تَمَامَ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ بَعْضَهُمَا لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لَهُمَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَعْمَى وَالصَّبِيَّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَالْمَجْنُونَ وَالسَّكْرَانَ وَالْمُكْرَهَ وَلَوْ بِإِكْرَاهِ الْمَجُوسِيِّ فَتَحِلُّ ذَكَاتُهُمْ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا، وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ حَلْقَ شَاةٍ يَظُنُّهُ غَيْرَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَكَاةُ الْأَعْمَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ الْمَذْبَحَ
(وَ) الذَّكَاةُ أَيْضًا خَالِصُ (جَرْحِ مَا لَمْ يُقْدَرْ) عَلَيْهِ عِنْدَ الرَّمْيِ أَوْ نَحْوِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ مِنْ جَائِزِ الْمُنَاكَحَةِ أَوْ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ (كَإِبِلٍ يَشْرُدُ) بِضَمِّ الرَّاءِ (أَوْ) يَتَرَدَّى (فِي حُفْرَهْ) وَعَجَزَ عَنْ ذَبْحِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعِيرٍ نَدَّ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ أَنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالْأَوَابِدُ النُّفُورُ، وَالتَّوَحُّشُ وَقَالَ شَيْخُنَا حَافِظُ عَصْرِهِ ابْنُ حَجَرٍ: هِيَ النَّوَافِرُ وَيُعْتَبَرُ فِي مُرْسِلِ السَّهْمِ، أَوْ نَحْوِهِ الْبَصَرُ فَلَا يَصِحُّ إرْسَالُ الْأَعْمَى لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَاسْتِرْسَالِ الْكَلْبِ بِنَفْسِهِ (الْمُزْهِقِ) أَيْ: كُلٍّ مِنْ الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ (الْحَيَاةَ) حَالَةَ كَوْنِهَا (مُسْتَقِرَّةً) إمَّا (قَطْعًا وَ) إمَّا (ظَنًّا) وَيَحْصُلُ الظَّنُّ (بِدَمٍ قَدْ انْفَجَرْ) أَيْ: بِانْفِجَارِهِ وَتَدَفُّقِهِ (وَبِاشْتِدَادِ الْحَرَكَاتِ) بَعْدَ الْقَطْعِ أَوْ الْجَرْحِ (وَ) بِعَلَامَاتٍ (أُخَرْ) كَصَوْتِ الْحَلْقِ وَقَوَامِ الدَّمِ عَلَى طَبِيعَتِهِ، وَشَرَطَ الْإِمَامُ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ مِنْهَا وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شِدَّةِ الْحَرَكَةِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ فِيهَا وَاعْتُبِرَتْ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ لِيَخْرُجَ مَا إذَا فُقِدَتْ وَكَانَ فَقْدُهَا لِسَبَبٍ مِنْ جَرْحٍ أَوْ انْهِدَامِ سَقْفٍ أَوْ أَكْلِ نَبَاتٍ ضَارٍّ أَوْ نَحْوِهَا لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، أَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: حُلْقُومًا وَمَرِيّ) لَوْ تَعَدَّدَ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَكَذَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا وَاشْتَبَهَ وَإِنْ تَمَيَّزَ الزَّائِدُ لَمْ يُشْتَرَطْ قَطْعُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ عَلَى مَرِيءِ) وَحُذِفَ عَاطِفُهُ
(قَوْلُهُ: كَإِبِلٍ تَشْرُدُ) أَيْ: وَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ تَسْكُنَ أَوْ تَحْصُلَ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الذَّبْحَ فِي الْحَالِ نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَ اللَّحَاقُ بِعَدْوٍ، أَوْ اسْتِغَاثَةٍ وَجَبَ بِرّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا إذَا تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ وَلَوْ بِاسْتِعَانَةٍ مِمَّنْ يُمْسِكُهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَوَحِّشًا. اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الذَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: قَطْعُ إلَخْ) سَوَاءٌ فِي مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يَكُونُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. اهـ.
ق ل عَلَى الْجَلَالِ إلَّا فِيمَا لَوْ تَأَنَّى أَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ إلَى قَطْعِ الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ: جَرَحَ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) أَيْ: بِسَهْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ وَلَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ. اهـ.
شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ فَلَوْ رَمَاهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ، وَأَمَّا جَوَازُ الرَّمْيِ بِهِ فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَازُ رَمْيِ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لَا يَقْتُلُهَا الْبُنْدُقُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ وَالْكُرْكِيِّ دُونَ الصِّغَارِ كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ، وَأَشَارَ م ر فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَيَّدَ ع ش الْجَوَازَ بِكَوْنِهِ طَرِيقًا لِلِاصْطِيَادِ وَإِلَّا حَرُمَ لِتَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ قَالَ وَكَالرَّمْيِ بِالْبُنْدُقَةِ ضَرْبُ الْحَيَوَانِ بِعَصَا كَمَا يَقَعُ فِي إمْسَاكِ نَحْوِ الدَّجَاجِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ إمْسَاكُهَا فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُبِيحُ ضَرْبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.
قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْكَلَامُ فِي الْبُنْدُقِ الْمُعْتَادِ قَدِيمًا وَهُوَ مَا يُصْنَعُ مِنْ الطِّينِ أَمَّا الْبُنْدُقُ الْآنَ وَهُوَ مَا يُصْنَعُ مِنْ الْحَدِيدِ وَيَرْمِي بِالنَّارِ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِقٌ مُذَفِّفٌ غَالِبًا وَلَوْ فِي الْكَبِيرِ نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَاذِقٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُ نَحْوَ جَنَاحٍ كَبِيرٍ فَيُثْبِتُهُ فَقَطْ اُحْتُمِلَ الْحِلُّ. اهـ.