بِالْبَيِّنَةِ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ فِي الشَّهَادَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْبَحْرِ لَا فَإِنَّ فِيهِ قَدْحًا فِي الشُّهُودِ، وَأَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ نَعَمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السَّتْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى التَّوَقُّفِ حَدٌّ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَقُّفُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُضَيِّعُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ عَلَى مَالِكِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لَهُ خَطَرٌ.
(فَرْعٌ) لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزَّانِي عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ
هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ، أَوْ لِقَتْلٍ، أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا فِي الْكُفَّارِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَبَعْدَهَا (قَاطِعُ طُرُقٍ مُسْلِمٌ غَيْرُ صَبِيّ) ، وَنَحْوِهِ (مُعْتَمِدُ الْقُوَّةِ) أَيْ: مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا (فِي التَّغَلُّبِ) ، وَالْقِتَالِ، وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا رَجُلًا، أَوْ امْرَأَةً (بِالْبُعْدِ) أَيْ: مَعَ بُعْدِهِ (عَنْ غَوْثٍ) لِبُعْدِ السُّلْطَانِ، وَأَعْوَانِهِ، أَوْ لِضَعْفِهِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي فَخَرَجَ الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي السَّرِقَةِ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَصَوَّبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْأُمِّ، وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حَدَّ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَلَا يُعْرَفُ التَّعْبِيرُ بِالْإِسْلَامِ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُعَبِّرَ بَدَلَ بِمُلْتَزَمِ الْأَحْكَامِ لِيَدْخُلَ الذِّمِّيُّ، وَالْمُرْتَدُّ، وَيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ، وَالْمُعَاهَدُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ، وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ، وَمُعْتَمِدُ الْهَرَبِ، وَيُسَمَّى بِالْمُخْتَلِسِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُتَعَرِّضُ لِلْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ لِقُوَّةِ السُّلْطَانِ، وَقُرْبِهِ، أَوْ قُرْبِ أَعْوَانِهِ فَلَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَإِنْ ضَمِنُوا الْأَنْفُسَ، وَالْأَمْوَالَ، وَلَزِمَهُمْ التَّعْزِيرُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ بُعْدُهُ عَنْ الْغَوْثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ، وَالْقَهْرِ مُجَاهَرَةً قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
، وَلَا يُشْتَرَطُ شَهْرُ السِّلَاحِ، بَلْ الْقَاصِدُونَ بِالْعَصَا، وَالْحِجَارَةِ قُطَّاعٌ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْوَكْزِ، وَالضَّرْبِ بِجُمَعِ الْكَفِّ، وَفِي التَّهْذِيبِ نَحْوُهُ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْآلَةِ، وَقَوْلُ النَّظْمِ مُسْلِمٍ غَيْرِ صَبِيٍّ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ مُعْتَمِدَ الْقُوَّةِ (فِي الْبَلَدِ) كَأَنْ خَرَجَ أَهْلُ أَحَدِ طَرَفَيْهَا عَلَى أَهْلِ الطَّرَفِ الْآخَرِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ فَإِنَّهُ قَاطِعُ طَرِيقٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ تَعَرُّضَهُ فِي الْبَلَدِ أَعْظَمُ جَرَاءَةً، وَأَكْثَرُ فَسَادًا فَكَانَ بِالْعُقُوبَةِ، أَوْلَى (وَ) لَوْ هُوَ (دَاخِلٌ فِي اللَّيْلِ دَارَ أَحَدِ، وَأَخَذَ الْمَالَ) الْكَائِنَ (بِهَا مُكَابِرَا) أَيْ: مُجَاهِرًا (وَمَنَعَ) أَهْلَهَا (اسْتِغَاثَةً مُجَاهِرَا بِقُوَّةِ الْمَلِكِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَسْرِ اللَّامِ مَعَ إسْكَانِ الْكَافِ إجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، أَوْ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ اللَّامِ يَعْنِي: مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ، وَقُرْبِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الِاسْتِغَاثَةِ كَالْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ فِي التَّغَلُّبِ، وَاعْتِمَادُ الْقُوَّةِ، وَزَادَ مُجَاهِرًا تَكْمِلَةً، أَوْ تَفْسِيرًا لِمُكَابِرًا (بِأَخْذِ رُبُعِ مِنْ مَحْضِ دِينَارٍ) أَيْ: قَاطَعَ الطَّرِيقَ بِأَخْذِ رُبُعِ دِينَارٍ خَالِصًا قَطْعًا، أَوْ مَا يُسَاوِيهِ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (لِجَمْعِ) مِنْ الرُّفْقَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحِرْزِ (كَالسَّرِقَاتِ) أَيْ: كَمَا فِي السَّرِقَةِ (قُطِعَتْ مِنْهُ يَدُ يُمْنَى، وَرِجْلٌ خُلْفًا) بِضَمِّ الْخَاءِ، وَإِسْكَانِ اللَّامِ أَيْ: مِنْ خِلَافٍ بِأَنْ تَكُونَ يُسْرَى لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ (أَوْ) قَطَعَ (مَا يُوجَدُ) مِنْهُمَا بِأَنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا، وَلَوْ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِلْقَطْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَرْجُو لَوْ نَطَقَ، وَقَوْلُهُ يُغْنِي عَنْهَا يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ التَّعْوِيلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ، فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ.
م ر
(بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) (قَوْلُهُ: أَوْ لِضَعْفِهِ) فَالْمُرَادُ الْبُعْدُ، وَلَوْ مَعْنًى، أَوْ نَقُولُ، وَلَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ: وَدَاخِلٌ فِي اللَّيْلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلْغَالِبِ، فَالنَّهَارُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَعَلِمَ أَنَّهُ إلَخْ.) مِنْ قَوْلِهِ: كَالسَّرِقَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ، فَقَدَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قَطَعَ الطَّرِيقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَدْحًا) بِنِسْبَتِهِمْ إلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ إلَخْ.) كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا فَيَأْثَمُ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ.
[بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمْعٍ) أَيْ: بِأَنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ شَرِكَةَ شُيُوعٍ؛ لِأَنَّ لِأَحَدِهِمْ الدَّعْوَى بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَفِي الْمُجَاوَرَةِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَدَّعِيَ بِغَيْرِ مَا يَخُصُّهُ. اهـ. ع ش بِاخْتِصَارٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالسَّرِقَاتِ فَإِنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ حُكْمُهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ أَخْذِ الْمَالِ) ، وَفَارَقَ فِي هَذَا السَّرِقَةُ لِبَقَاءِ تَمَامِ الْحَدِّ مَوْجُودًا تَأَمَّلْ.