بِمُنْتَقَضِي الْعَهْدِ لَكِنَّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ مُنْتَقِضِيهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، فَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا مِنْ نَفْسٍ، وَمَالٍ بِخِلَافِ الْبَاغِي كَمَا مَرَّ اسْتِمَالَةً لِقَلْبِهِ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُ الضَّمَانُ، وَلِأَنَّ لَهُ تَأْوِيلًا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَتِنَا، وَلَا تَأْوِيلَ لَهُمْ، أَمَّا مُنْتَقِضُوهُ، فَلَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْقِتَالِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا كَأَهْلِ حَرْبٍ، وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ، وَلَوْ أَتْلَفُوا بَعْدَ الْقِتَالِ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنُوهُ مَعْنَاهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الِانْتِقَاضِ كَانَ، أَوْلَى
(وَالْمُكْرَهُ) عَلَى إعَانَةِ الْبُغَاةِ عَلَيْنَا (مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ مُنْتَقِضِي الْعَهْدِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ مُنْتَقِضِيهِ (مِثْلُهُمْ) أَيْ: مِثْلُ الْبُغَاةِ فِي أَنَّهُمْ لَا يُتْبَعُونَ إذَا انْهَزَمُوا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْقِتَالِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ فِيهِ، وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْوُجُوبَ، وَقَالَ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَعَانُوا بِمُعَاهَدٍ فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ لِانْتِقَاضِ عَهْدِهِ بِخَوْفِ الْخِيَانَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ قَاتَلَ الذِّمِّيُّونَ الْبُغَاةَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا مَنْ عَلَى الْإِمَامِ مُحَارَبَتُهُ، وَيُقَاسُ بِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ، وَالْمُعَاهَدُونَ، وَلَوْ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ، فَإِنْ قَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَهْرِهِمَا لَمْ يُعِنْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا إذَا أَطَاعَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَهْرِهِمَا ضَمَّ إلَيْهِ أَقْرَبَهُمَا إلَى الْحَقِّ، وَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ اسْتَوَيَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا، وَلَا يَقْصِدُ مُعَاوَنَةَ الْمَضْمُومَةِ إلَيْهِ، بَلْ دَفْعَ الْأُخْرَى فَإِنْ انْدَفَعَتْ لَمْ يُقَاتِلْ الْمَضْمُومَةَ حَتَّى يَدْعُوهَا إلَى الطَّاعَةِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا، وَفِيهِمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي يَلْزَمُ الْوَاحِدَ مِنَّا مُصَابَرَةُ اثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ، وَلَا يُوَلِّي عَنْهُمَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ.
هِيَ لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي، وَهِيَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (أَفْحَشُ كُفْرٍ ارْتِدَادُ مُسْلِمِ مُكَلَّفٍ) ، وَارْتِدَادُهُ يَحْصُلُ (بِفِعْلٍ) ، وَلَوْ بِقَلْبِهِ كَعَزْمِهِ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَرَدُّدِهِ فِيهِ (أَوْ تَكَلُّمِ) بِهِ (مَحْضٍ) أَيْ: كُلٍّ مِنْ الْفِعْلِ، وَالتَّكَلُّمِ (عِنَادًا) أَيْ: بِالْعِنَادِ (وَبِالِاسْتِهْزَاءِ، وَبِاعْتِقَادٍ مِنْهُ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ كُفْرُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَلَيْسَ بِرِدَّةٍ، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ، فَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ إذْ لَا اعْتِدَادَ بِاعْتِقَادِهِ نَعَمْ تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، وَبِالْمَحْضِ أَيْ: الصَّرِيحِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي مَا لَوْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ رِدَّةً كَاجْتِهَادٍ، أَوْ جَهْلٍ، أَوْ سَبْقِ لِسَانٍ، أَوْ حِكَايَةِ كُفْرٍ، أَوْ خَوْفٍ قَالَ الْقَاضِي مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ بِدَارِنَا حُكِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكَمَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَاتَلَ بِأَمَانِهِمْ يَنْفُذُ عَلَيْهِمْ دُونَنَا قُلْت أَجَابَ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا كَانَتْ هُنَا مُطْلَقَةً انْتَقَضَتْ مُطْلَقَةً، وَالْأَمَانُ هُنَاكَ كَانَ خَاصًّا بِأَهْلِ الْبَغْيِ، فَاخْتَصَّ بِهِمْ بِرّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا سَهْوٌ إلَخْ.) أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ضَمَانُهُمْ قَبْلَ انْتِقَاضِهِمْ، فَانْتِقَاضُ عَهْدِهِمْ لَا يَمْنَعُ ضَمَانَهُمْ لِمَا أَتْلَفُوهُ قَبْلَ الِانْتِقَاضِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا يَخْفَى لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: هُوَ أَهْوَنُ مِنْ التَّغْلِيظِ
(قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ مُنْتَقِضِيهِ) لَك أَنْ تَقُولَ يُغْنِي عَنْ هَذَا التَّصْوِيبِ جَعْلُ ضَمِيرِ مِنْهُمْ عَائِدًا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِهِ رَاجِعًا إلَى الْمُنْتَقِضِينَ الْمُحَوِّجُ لِهَذَا التَّصْوِيبِ بِرّ، وَقَوْلُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَيْ: الْمَفْهُومِينَ مِنْ الْمَقَامِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِ: قُبِلَ ذِمِّيٌّ، وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُنَافِي الِانْتِقَاضَ إذْ لَا انْتِقَاضَ مَعَ الْإِكْرَاهِ (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُكْرَهَ الْمَذْكُورَ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الصَّنِيعِ لَكِنَّ هَذَا الْحُكْمَ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضِ: فِي غَيْرِ الْمُنْتَقِضِينَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِكْرَاهٍ، فَقَالَ: وَيُقَاتِلُونَ أَيْ: الَّذِينَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ كَالْبُغَاةِ لَكِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مُطْلَقًا، وَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ، وَجْهَانِ فِي شَرْحِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ) أَيْ: فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْ: فِي عَدَمِ انْتِقَاضِ أَمَانِهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِكْرَاهِهِ رَوْضٌ.
(بَابُ الرِّدَّةِ) (قَوْلُهُ: أَفْحَشُ كُفْرٍ ارْتِدَادُ مُسْلِمٍ) فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ مَا فِيهِ إذْ كَيْفَ يَكُونُ الِارْتِدَادُ بِنَحْوِ قَوْلِهِ: لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ أَفْحَشَ مِنْ كُفْرِ الْمُثَلِّثِ، وَعَابِدِ الْوَثَنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ أَفْحَشُ حُكْمًا، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ: السَّكْرَانِ) أَيْ: الْمُتَعَدِّي (قَوْلُهُ: أَوْ جَهْلٍ) إذَا نَظَرْت إلَى قَوْلِهِ: فِيمَا سَلَفَ، وَبِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ قَسِيمٌ لِلْعِنَادِ، وَالِاسْتِهْزَاءِ عَلِمْت أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ الْجَهْلِ هُنَا عَلَى جَهْلٍ يُعْذَرُ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ السَّابِقَ جَهْلٌ قَطْعًا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ إذْ لَيْسَ كُلُّ اجْتِهَادٍ يُعْذَرُ بِهِ صَاحِبُهُ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَهْدُ الْمُعَاهَدِ، وَالْمُؤَمَّنِ، وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ إلَّا فِي الْإِكْرَاهِ بِبَيِّنَةٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَعَانُوا بِمُعَاهَدٍ) مِثْلُهُ الْمُؤَمَّنُ، فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَالْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: بِخَوْفِ الْخِيَانَةِ) أَيْ: فَيَتَحَقَّقُهَا أَوْلَى.
[بَابُ الرِّدَّةِ]
(بَابُ الرِّدَّةِ) (قَوْلُهُ: عِنَادًا إلَخْ.) تَعْمِيمٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْفِعْلِ، وَالْقَوْلِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَأْتِي فِي النِّيَّةِ أَيْضًا. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ إلَخْ.) يُفِيدُ أَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ دَاخِلٌ فِي الِارْتِدَادِ، وَخَارِجٌ بِالْمُسْلِمِ، وَفِي دُخُولِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.