الْإِصْلَاحُ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وُجُوبَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَكَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا لَيْسَ وَاجِبًا سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُمَا حَاكِمَانِ أَمْ وَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي الْحَاكِمِ، وَلَا فِي الْوَكِيلِ نَعَمْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ أَشْفَقُ وَأَقْرَبُ إلَى رِعَايَةِ الْإِصْلَاحِ وَأَعْرَفُ بِبَوَاطِن الْأَحْوَالِ وَلِأَنَّ الْقَرِيبَ يُفْشِي سِرَّهُ إلَى قَرِيبِهِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
وَقَوْلُهُ: (كَمُلَا) أَيْ: الْحَكَمَانِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُعْتَبَرُ كَمَالُهُمَا بِتَكْلِيفٍ وَإِسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَعَدَالَةٍ وَاهْتِدَاءٍ إلَى مَا بُعِثَا لَهُ لَا بِاجْتِهَادٍ وَذُكُورَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِمَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِوَكَالَتِهِمَا لِتَعَلُّقِهَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، كَمَا فِي أَمِينِهِ وَلِبَعْثِهِمَا شَرْطٌ زَادَهُ النَّاظِمُ مَعَ عِلَّتِهِ بِقَوْلِهِ (إنْ رَضِيَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ بِبَعْثِهِمَا (إذْ عَنْهُمَا تَوَكَّلَا) أَيْ: إذْ الْحَكَمَانِ وَكِيلَانِ عَنْ الزَّوْجَيْنِ فَلَيْسَا بِحَاكِمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا فَيُوَكِّلُ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ وَهِيَ حُكْمُهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ جُنَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَهُ لَمْ يَجُزْ تَنْفِيذُ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ جُعِلَا وَكِيلَيْنِ فَالْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ، أَوْ حَكَمَيْنِ فَيُعْتَبَرُ دَوَامُ الْخُصُومَةِ وَبَعْدَ الْجُنُونِ لَا يُعْرَفُ دَوَامُهَا. اهـ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ اعْتِبَارُ رُشْدِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجَةِ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا الْعِوَضَ لَا الزَّوْجِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ
بِضَمِّ الْخَاءِ مِنْ الْخَلْعِ بِفَتْحِهَا وَهُوَ النَّزْعُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ يَحْصُلُ لِلزَّوْجِ، أَوْ لِسَيِّدِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] الْآيَةَ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَتَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا أَنْقِمُ عَلَيْهِ فِي خُلْقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ أَيْ: كُفْرَانَ النِّعْمَةِ فَقَالَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَفِي رِوَايَةٍ «فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا» وَزَادَ النَّسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ ضَرَبَهَا فَكَسَرَ يَدَهَا قَالَ ابْنُ دَاوُد وَغَيْرُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَى وَالْبَيْعِ فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَى وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا وَيَجُوزُ فِي حَالَتَيْ الشِّقَاقِ وَالْوِفَاقِ.
وَذِكْرُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ يَخَافَا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَهَا فِي النِّكَاحِ، أَوْ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ فَيُخَالِعُ، ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ الْخُلْعِ) .
(قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ إلَخْ) وَلَا يَضُرُّ وُجُودُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفُرْقَةِ بِلَا عِوَضٍ مَعَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُلْعًا. (قَوْلُهُ: فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ إلَخْ) وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ كَانَ بَائِنًا، أَوْ مِمَّا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَانَ رَجْعِيًّا وَمَحَلُّهُ فِيهِمَا، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي إنْ كَانَتْ تَعْلَمُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ، وَكَالْأَوْلَى مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِكِ، فَيَقَعُ بَائِنًا عِنْدَ الْعِلْمِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْحَقُّ وَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِيهِ جَوَابُ الْقَاضِي حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ مَا لَا بُدَّ لَهُ) أَيْ: تَرْكُ فِعْلِ مَا لَا بُدَّ لَهُ إلَخْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَمْ يَفْعَلْ. (قَوْلُهُ: عَاقِدٌ) وَهُوَ الزَّوْجُ، وَالْمُخْتَلِعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْرِيرُ الْمَرْصَفِيِّ
[بَابُ الْخُلْعِ]
(قَوْلُهُ: بَابُ الْخَلْعِ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ مَنَعَهَا نَحْوَ نَفَقَةٍ لِتَخْتَلِعَ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَعَنْ شَيْخِنَا زي خِلَافُهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَمَا قَالَهُ زي مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ: لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْخُلْعُ بَاطِلًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ، وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ مَنَعَهَا ذَلِكَ فَافْتَدَتْ هِيَ لِتَخْلُصَ مِنْهُ. اهـ. أَيْ: لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَنْعِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا عَلَى الْخُلْعِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إضْمَارُ الْمُبْطِلِ وُقُوعُهُ بَائِنًا فِي الْحَالَيْنِ، وَأَمَّا زَعْمُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُمْكِنَ التَّخَلُّصُ مِنْهُ بِالْحَاكِمِ وَهُنَا يُمْكِنُ ذَلِكَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: الْخُلْعُ) هُوَ طَلَاقٌ صَرِيحٌ إنْ ذَكَرَ الْمَالَ، أَوْ نَوَى وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ وَقِيلَ: فَسْخٌ وَفِي قَوْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا فَسْخٌ. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: نَزَعَ لِبَاسَهُ) أَيْ: الْحَقِيقِيَّ بِدَلِيلٍ كَانَ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ ضَرَبَهَا) أَيْ: فَخَافَتْ أَنْ يَحْمِلَهَا ذَلِكَ عَلَى كُفْرَانِ نِعْمَتِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى تَرْكِهِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ