بَابُ الْوَقْفِ) هُوَ لُغَةً: الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْت كَذَا أَيْ: حَبَسْته وَيُقَالُ أَوْقَفْته فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَشَرْعًا حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ. .
وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ.
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ وَاقِفٌ وَصِيغَةٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ (وَوَقْفُ شَخْصٍ لِتَبَرُّعٍ صَلَحْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُ أَوْ حَبَسْت صَحَّ) فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُفْلِسٍ وَمُوَلًّى عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ وَلِيِّهِ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ كَالْقَاضِي بِصِحَّةِ وَقْفِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْهَا وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْآنَ أَنْ يَقِفَ أَرْضَ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَازَ إذَا اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فِي النُّزُولِ عَنْهَا بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُ النَّظْمِ بِقَوْلِهِ صِلَةُ وَقْفٍ أَوْ صَحَّ. (وَهَكَذَا) يَصِحُّ بِقَوْلِهِ (سَبَّلْته كَأَنْ ذَكَرْ لَفْظَ تَصَدَّقْت وَقَالَ فِي الْأَثَرْ) أَيْ: أَثَرِ تَصَدَّقْت لِيَصْرِفَهُ عَنْ التَّمْلِيكِ الَّذِي اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ إلَى صَرِيحِ الْوَقْفِ (صَدَقَةً حَرَامًا) أَوْ مُحَرَّمَةً (أَوْ مَوْقُوفَهْ أَوْ بِانْتِفَاءِ هِبَةٍ مَوْصُوفَهْ) أَيْ: أَوْ صَدَقَةً مَوْصُوفَةً بِانْتِفَاءِ هِبَتِهَا (أَوْ بَيْعِهَا) بِأَنْ قَالَ: تَصَدَّقْت صَدَقَةً لَا تُوهَبُ أَوْ لَا تُبَاعُ وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِأَوْ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ وَكَلَامِ الْحَاوِي وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى (وَمَسْجِدًا جَعَلْتُ) الْبُقْعَةَ أَوْ وَقَفْتهَا عَلَى صَلَاةِ الْمُصَلِّينَ فِي وَقْفِهَا مَسْجِدًا وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرَائِحُ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَقْفِ وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَمْرٍ غَرِيبٍ وَهُوَ انْقِسَامُ الصَّرِيحِ إلَى، مَا هُوَ صَرِيحٌ بِنَفْسِهِ وَإِلَى، مَا هُوَ صَرِيحٌ مَعَ غَيْرِهِ.
وَالْكِنَايَاتُ وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ وَغَيْرَهُ مَا بَيْنَهَا بِقَوْلِهِ (لَكِنَّمَا) أَيْ: لَكِنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي كَقَوْلِهِ (حَرَّمْتُ) لِفُلَانٍ كَذَا (أَوْ أَبَّدْتُ) عَلَيْهِ كَذَا أَوْ (كَذَا تَصَدَّقْت إذَا عَمَّتْ) أَيْ: الْجِهَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا كَالْفُقَرَاءِ (كُنِيَ بِهَا) فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّأْبِيدَ لَا يُسْتَعْمَلَانِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالتَّصَدُّقُ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُورِ وَيَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ (وَلِلتَّمْلِيكِ) أَيْ: وَاسْتِعْمَالُ تَصَدَّقْت
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ الْوَقْفِ) (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ) أَيْ: مُسْلِمٌ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقْت بِهَا) كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْأَثَرِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِنَّمَا أُلْحِقَ ذَلِكَ بِالصَّرِيحِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوا الْكِنَايَةَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَصَدَّقْتُ وَحْدَهُ صَرِيحٌ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ تَطَوُّعًا أَوْ وَقْفًا مَعَ إطْلَاقِ الشَّارِعِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْوَقْفِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: لِيَصْرِفَهُ) أَيْ تَصَدَّقْت وَقَوْلُهُ: الَّذِي اشْتَهَرَ أَيْ تَصَدَّقْت وَقَوْلُهُ: اسْتِعْمَالُهُ أَيْ تَصَدَّقْت وَقَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ: التَّمْلِيكِ. (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِأَوْ) فِي قَوْلِهِ أَوْ بَيْعِهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى صَلَاةِ الْمُصَلِّينَ) الَّذِي فِي الرَّوْضِ وَوَقْفُهُ لِلصَّلَاةِ كِنَايَةٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَقْفُهُ مَسْجِدًا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ وَقْفًا بِذَلِكَ فَصَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ مَا هُنَا لَا يُقَالُ كَلَامُهُ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْوَقْفِيَّةِ لَا بِقَيْدِ الْمَسْجِدِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي وَقْفِهَا مَسْجِدًا يَقْتَضِي الصَّرَاحَةَ فِي الْمَسْجِدِيَّةِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَى صَلَاةِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاةِ فَبَعِيدٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ هُنَا عَلَى إرَادَةِ الصَّرَاحَةِ فِي مُطْلَقِ الْوَقْفِيَّةِ وَالِاحْتِيَاجِ فِي خُصُوصِ الْمَسْجِدِيَّةِ إلَى النِّيَّةِ م ر.
(قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوَقْفِ]
ِ) . (قَوْلُهُ: فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ) هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. اهـ. عَمِيرَةُ. (قَوْلُهُ وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا نَادِرَةٌ. اهـ. عَمِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقْت بِهَا) أَيْ: بِمَنْفَعَتِهَا. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ قُرْبَةً مَحْضَةً وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ نَذْرِهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكَاتَبٍ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) ق ل. (قَوْلُهُ: وَقْفِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَمِنْهُ الرِّزَقُ الْمَعْلُومَةُ فَهِيَ لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ أَفَادَهُ ع ش. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْأَثَرِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ تَصَدَّقْت مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَقْفِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صَرِيحًا بِغَيْرِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: لِيَصْرِفَهُ عَنْ التَّمْلِيكِ الَّذِي إلَخْ) أَيْ: فِيمَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مُعَيَّنٍ: إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي وَجْهِهِ فَتَكْفِي النِّيَّةُ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ: إذَا عَمَّتْ) كَنَّى بِهَا لِظُهُورِ اللَّفْظِ حِينَئِذٍ فِي