لَمْ يَكُنْ تَصَرَّفَ بَعْدُ فِي الْأَوَّلِ جَازَ، وَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَيْهِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْقِرَاضُ فِي الثَّانِي وَلَا الْخَلْطُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّصَرُّفِ رِبْحًا وَخُسْرَانًا، وَرِبْحُ كُلِّ مَالٍ وَخُسْرَانُهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَكَلَامُهُمَا قَدْ يُفِيدُ أَنَّ الْخَلْطَ مُضَمَّنٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ جِهَةٍ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَذِنَ لَهُ فِيهِ. (خَاتِمَةٌ)
لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ زَيْدٌ أَلْفًا قِرَاضًا وَعَمْرٌو كَذَلِكَ فَاشْتَرَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَبَهَا عَلَيْهِ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَنْقَلِبُ الشِّرَاءُ لَهُ، وَيَغْرَمُ لَهُمَا أَلْفَيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِفْرَادِ وَالثَّانِي: يُبَاعَانِ، وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ الشَّرْطِ، وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ ضَمِنَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِانْخِفَاضِ السُّوقِ قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقِيَاسُ بَقَاءُ الْمِلْكِ عَلَى الْإِشْكَالِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(بَابُ الْمُسَاقَاةِ) وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ وَلَفْظُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ السَّقْيِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً. وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ، وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُمَا، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا، وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» ، وَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا، أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ فَيَحْتَاجُ ذَاكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى مَالَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ بَلْ إنْ شَرَطَ أَيْ: فِي الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ التَّصَرُّفِ أَيْ: فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ ضَمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَسَدَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ بِالْعَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَقَوْلُ الْإِمَامِ الْآتِي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ بَعْدَ التَّلَفِ أَنَّهُ قِرَاضٌ حَلَفَ الْعَامِلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْبَغَوِيِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَخَالَفَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ فَرَجَّحَ تَصْدِيقَ الْمَالِكِ، وَتَبِعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْقِرَاضَ، وَالْمَالِكُ التَّوْكِيلَ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ أَيْ: وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ نَعَمْ إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ أَيْ: بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ، أَمَّا قَبْلَ التَّلَفِ فَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُمَا وَلَوْ أَقَامَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ بَيِّنَتَيْنِ، أَيْ: بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا فَرَضَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَغَيْرُهُ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْآخِذِ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: قِرَاضًا، وَالْآخِذُ: قَرْضًا صُدِّقَ الْآخِذُ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقِرَاضِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَبِأَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الرَّدِّ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ. اهـ. فَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ اُتُّجِهَ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْآخِذِ، لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَغَيْرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُصَوَّرٌ بِالِاخْتِلَافِ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْقَرْضَ، وَالْآخِذُ الْقِرَاضَ فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ هُنَا بَعْدَ التَّلَفِ، فَالْآخِذُ مُقِرٌّ بِالْبَدَلِ لِمُنْكَرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْقَرْضَ، وَالْآخِذُ الْوَدِيعَةَ صُدِّقَ الْآخِذُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَخَالَفَهُ فِي الْأَنْوَارِ فِيمَا لَوْ أَبْدَلَ الْوَدِيعَةَ بِالْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَةُ، الْوَدِيعَةُ مُتَّحِدَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ تَوْكِيلٌ.
(بَابُ الْمُسَاقَاةِ) أَصْلُهَا مُسَاقِيَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَلَا تَحَالُفَ
(قَوْلُهُ: وَلَا الْخَلْطُ) اُنْظُرْ لَوْ خَلَطَهُ مَا يَكُونُ وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ خَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ ضَمِنَ وَمَعَ ضَمَانِهِ لَا يَنْعَزِلُ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. . اهـ. فَهَلْ يُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ هُنَاكَ: أَنَّ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ؟ ، فَمَا خَصَّ الْقِرَاضَ الْأَوَّلَ لَهُ مِنْهُ نَصِيبُهُ، وَلَهُ فِي الثَّانِي أَجْرُ مِثْلِهِ.
[بَابُ الْمُسَاقَاةِ]