بِأَنَّ مِثْلَهُ يُفْسِدُ الرَّهْنَ كَمَا سَيَأْتِي وَيُجَابُ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، (وَ) أَمَّا (شَرْطُهُ) عَلَى الْمُقْتَرِضِ (الْإِقْرَارَ عِنْدَ الْقَاضِي وَكَافِلًا وَالرَّهْنَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ) أَيْ: بِالْمُقْرَضِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (فَالِاثْنَانِ) أَيْ: الشَّرْطُ وَالْقَرْضُ (جَمِيعًا جَادَا) أَيْ: جَيِّدَانِ صَحِيحَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَوْثِيقَاتٌ لَا مَنَافِعُ زَائِدَةٌ، فَلَهُ إذَا لَمْ يُوفِ الْمُقْتَرِضُ بِهَا الْفَسْخُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا مَرَّ، عَلَى أَنَّ فِي التَّوَثُّقِ بِذَلِكَ مَعَ إفَادَتِهِ أَمْنَ الْجَحْدِ فِي بَعْضٍ وَسُهُولَةَ الِاسْتِيفَاءِ فِي آخَرَ صَوْنَ الْعِرْضِ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الرُّجُوعِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ سَبَبٌ، فَإِنَّ الْمُقْتَرِضَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْمُقْرِضُ مَعْذُورًا فِي الرُّجُوعِ غَيْرَ مَلُومٍ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ انْقِسَامُ الشَّرْطِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ مُفْسِدٍ، وَفَاسِدٍ غَيْرِ مُفْسِدٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِهِ عَنْ شَرْطِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِشْهَادِ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ: أَقْرِضْ هَذَا مِائَةً وَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا فَأَقْرَضَهُ الْمِائَةَ أَوْ بَعْضَهَا، لَزِمَهُ الضَّمَانُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا أَرَادُوهُ بِقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ لَكِنَّ ذَاكَ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي بَابِ الضَّمَانِ: بِعَدَمِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ الْجَدِيدُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ كَالشَّيْخَيْنِ ثَمَّ
(بَابُ الرَّهْنِ) هُوَ لُغَةً: الثُّبُوتُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَيْ: الثَّابِتَةُ وَقَالَ الْإِمَامُ الِاحْتِبَاسُ وَمِنْهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَشَرْعًا: جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى» وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ: «تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ وَكَافِلًا وَالرَّهْنَ) هَلْ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَوْنُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُقْتَرِضِ لِيَتَحَقَّقَ الدَّيْنُ؟
(بَابُ الرَّهْنِ) (قَوْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ) وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يُسْتَوْفَى مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ الْوَفَاءِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُهُ (قَوْلُهُ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ " " فَضَرْبَ الرِّقَابِ " كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَدْ يُنْظَرُ فِي كَوْنِهِ مَصْدَرًا، بَلْ الْوَصْفُ بِمَقْبُوضَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ تَوَقُّفَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى جَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الِاحْتِجَاجُ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِ إخْبَارًا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الشَّحْمِ) فَإِنْ قِيلَ: مَا حِكْمَةُ اسْتِقْرَاضِهِ مِنْ الْيَهُودِيِّ دُونَ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ؟ قُلْت يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ الْحِكْمَةِ مِنْهَا تَأَلُّفُهُ بِمُعَامَلَتِهِ لَعَلَّهُ يَسْلَمُ، وَمِنْهَا بَيَانُ جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْهَا بَيَانُ حِلِّ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَعَلَّ مَيَاسِيرَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَتَيَسَّرْ الْأَخْذُ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِنَحْوِ غَيْبَتِهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا مِنْهُ الْبَدَلَ أَوْ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَرَضٌ فِي صُورَةِ الرَّدِّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَالْمُقْتَرِضُ مُعْسِرٌ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ بِأَنَّ مِثْلَهُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ: لَوْ شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً لِلْمُرْتَهِنِ فَسَدَ. (قَوْلُهُ جَيِّدَانِ صَحِيحَانِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا اقْتَرَضَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِمَا شَرَطَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ، إذَا شَرَطَ كَفِيلًا أَوْ ضَامِنًا أَوْ رَهْنًا بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يُوفِ بِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ اهـ. ق ل مَعَ إيضَاحٍ. (قَوْلُهُ فَلَهُ إذَا لَمْ يُوفِ إلَخْ) أَيْ قَطْعًا بِخِلَافِهِ بِلَا شَرْطٍ فَعَلَى الْأَصَحِّ اهـ. شَرْحُ إرْشَادٍ
(قَوْلُهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ) اسْتَوْجَهَهُ حَجَرٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ إلَخْ) اسْتَوْجَهَهُ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: كَانَ ضَامِنًا لَهَا عَلَى الْأَوْجَهِ
[بَابُ الرَّهْنِ]
(بَابُ الرَّهْنِ) (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَقْبُوضَةٌ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ قِيَاسُ فِعْلِهِ قَبَضَ كَمَا قَالَ، وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِيِّ إلَخْ، وَقَدْ فَسَّرَ الْقَاضِي مَقْبُوضَةٌ بِاقْبَضُوا، فَإِنْ قُطِعَتْ هَمْزَتُهُ خَالَفَ مَا فِي الْآيَةِ، إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْمَفْعُولِ حِينَئِذٍ مُقْبَضَةٌ، وَإِنْ وُصِلَتْ لَزِمَ اخْتِلَافُ مَعْنَى الضَّمِيرَيْنِ فِي ارْهَنُوا وَاقْبِضُوا، إذْ الْمُخَاطَبُ بِالرَّهْنِ حِينَئِذٍ مَنْ عَلَيْهِمْ الدَّيْنُ، وَبِالْقَبْضِ مَنْ لَهُمْ الدَّيْنُ، وَكَانَ فِيهِ مُوَافَقَةُ مَا فِي الْآيَةِ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَيَكُونَ مَا فِي الْآيَةِ بِاعْتِبَارٍ لَازِمٍ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَادَةً قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْقُوَيْسِنِيُّ فَافْهَمْ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ اهـ. مَرْصَفِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا) أَيْ عَلَى ثَمَنِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَوْلُهُ: لِأَهْلِهِ أَيْ اشْتَرَاهَا لَهُمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ إلَخْ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ) يُمْكِنُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَهُ