56 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ السَّرَّاجُ قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الصَّفَّارِ:

[البحر المنسرح]

نَمْ عَلَى سِرٍّ وَجْدَهُ النَّفْسُ ... فَالدَّمْعُ مِنْ مُقْلَتَيْهِ مُنْبَجِسُّ

مُدَلَّهٌ وَالِهٌ لَهُ حَرَقٌ ... أَنْفَاسُهُ بَالْحَنِينِ تَخْتَلِسُ

يَا بَابِي وَجْهَهُ الْجَمِيلَ الَّذِي ... يَفُوقُ وَجْهَ الْمُدَلَّلِ الْمُلْسِ

يَا بَابِي، جِسْمُهُ الزَّكِيُّ وَإِنْ ... كَانَ عَلَيْهِ خَلِيقُ دَنَسٍ

إِنْ مَاتَ فِي غُرْبَةِ الْغَرِيبِ فَقَدْ ... نَاحَ عَلَيْهِ الضِّيَاءُ وَالْغَلَسُ"

-[76]-

57 - قَالَ أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكُلُّ مَنْ مَاتَ غَرِيبًا يَكُونُ مَوْتُهُ شَهَادَةً عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ , قِيلَ لَهُ: الْغَرِيبُ عَلَى وَجْهَيْنِ , فَغَرِيبٌ يَمُوتُ طَائِعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغُرْبَتِهِ , وَهُمْ عَلَى أَصْنَافٍ شَتَّى , كُلُّهَا مَحْمُودَةٌ فَهُمُ الَّذِينَ يُرْتَجَى أَنْ يَكُونَ مَوْتُ أَحَدِهِمْ شَهَادَةً , وَغَرِيبٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِغُرْبَتِهِ وَهُمْ عَلَى أَصْنَافٍ شَتَّى كُلُّهَا مَذْمُومَةٌ , وَفُرِضَ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةُ مِنَ الْغُرْبَةِ وَالرُّجُوعِ عَمَّا تَغَرَّبُوا لَهُ ,

58 - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَصِفْ لَنَا الْغَرِيبَ الطَّائِعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغُرْبَتِهِ , حَتَّى لَا نَتَغَرَّبَ إِلَّا فِي طَاعَةٍ اللَّهِ , قِيلَ لَهُ مَنْ تَغَرَّبَ فِي حَجٍّ أَوْ فِي عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ , فَمَاتَ فِي خُرُوجِهِ أَوْ رُجُوعِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ عِلْمٍ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمَ بِعِلْمِهِ لِيَعْلَمَ مَا -[77]- افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَيَسْتَعْمِلُهُ , وَيَعْلَمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيَنْتَهِي عَنْهُ , فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ خَرَجَ زَائِرًا لِأَخٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِزِيَارَةِ رَحِمٍ يَبَرُّهُمْ بِزِيَارَتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ كَانَ بِبَلَدٍ فَظَهَرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ فَخَشِيَ عَلَى دِينِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ فَفَرَّ مِنْهُ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْكَسْبُ الْحَلَالُ فِي بَلَدِهِ فَخَرَجَ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ لِيَكْتَسِبَ الْحَلَالَ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ , وَمَنْ شَرَدَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَبَقَ لَهُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ ,

59 - وَأَمَّا صِفَةُ مَنْ تَغَرَّبَ فِي مَعْصِيَةٍ , مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , أَوْ أَنْ يُعِينَ الْخَوَارِجَ , أَوْ خَرَجَ يَسْعَى فِي الْأَرْضِ لِلْفَسَادٍ , أَوْ خَدَعَ وَلَدًا لِرَجُلٍ أَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَهَرَبَ بِهِمْ , فَتَغَرَّبَ , أَوْ خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَا يُبَالِي مَا نَقَصَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ , فَهَؤُلَاءِ وَمَا يُشْبِهُ أَمْثَالَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتَغَرُّبِهِمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةَ وَالرُّجُوعَ عَنْ قَبِيحِ مَا خَرَجُوا لَهُ , فَإِنْ مَاتُوا فِي غُرْبَتِهِمْ لَمْ تُحْمَدْ أَحْوَالُهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015