44 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَشِيُّ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُرْجُلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -[59]- الْخُزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ , مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: " صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ النَّصَارَى , فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ , فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ رَاهِبًا هَا هُنَا أَقْتَبِسُ مِنْ عَلِمْهِ , قُلْتُ: أَجِيءُ مَعَكَ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ قَالَ: فَأَتَيْنَا عَلَى كَهْفِ جَبَلٍ نَاحِيَةٍ عَنِ طَرِيقِ النَّاسِ قَالَ: فَوَقَفَ النَّصْرَانِيُّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ أَتَيْتُكَ لِأَقْتَبِسَ مِنْ عِلْمِكَ خَيْرًا فَعَلِّمْنِي نَفَعَكَ اللَّهُ بِعِلْمِكَ قَالَ: فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ دَاخِلِ الْكَهْفِ: أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ سُبُلِ الْمَنَافِعِ تَيَقَّظْ حِينَ يَغْفُلُ الْجَاهِلُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ قَالَ: فَجَلَسَ النَّصْرَانِيُّ يَبْكِي , وَقَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا مَرِيضًا , وَإِنِّي لَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَنَا أَجَلُهُ , وَمَا أَرَى أَنَّا نُمْطَرُ إِلَّا بِهِ , قَالَ: فَقُلْتُ: فَلَوْ دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: إِنْ شِئْتَ قَالَ: فَانْحَدَرْنَا فِي الْكَهْفِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى مَوْضِعٍ مِنْهُ وَعْرٍ , فَإِذَا بِشَيْخٍ كَبِيرٍ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ , وَإِذَا هُوَ مَكْبُوبٌ عَلَى وَجْهِهِ , وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: لَئِنْ كُنْتَ أَطَلْتَ جَهْدِي فِي دَارِ الدُّنْيَا وَتُطِيلُ شَقَائِي فِي -[60]- الْآخِرَةِ لَقَدْ أَهْمَلْتَنِي وَأَسْقَطَّتَنِي مِنْ عَيْنِكَ أَيُّهَا الْكَرِيمُ ثُمَّ قَالَ: فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا دُمُوعُهُ قَدْ بَلَّتِ الْأَرْضَ مِنْهَا , فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكُمْ عَلَيَّ؟ أَلَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ لَكُمْ وَاسِعَةً , وَأَهْلُهَا لَكُمْ أُنَاسًا؟ فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنَ عَقْلِهِ مَا رَأَيْتُ , قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْغَبُ بِعَقْلِكَ عَنِ النَّارِ , فَبَكَى , وَقَالَ: مَا الَّذِي آيَسَنِي عِنْدَكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَنْ يَنَالَهَا غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ دِينًا قَالَ: فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: مَا أَعْرِفُ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا قَالَ: فَاشْمَأَزَّ النَّصْرَانِيُّ وَقَالَ: يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ تَرْغَبُ عَنِ النَّصْرَانِيَّةِ وَدِينِ الْمَسِيحِ؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ , فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ , أَنَا عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ , وَهَلْ كَانَ لِلْمَسِيحِ دِينٌ سِوَى الْإِسْلَامِ؟ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ خَلْقَهُ ارْتَضَى لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا , فَمَنْ رَغِبَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا نَصِيبَ قَالَ: فَثَارَ النَّصْرَانِيُّ مُوَلِّيًا قَالَ: فَقُلْتُ انْتَظِرْ حَتَّى أَخْرُجَ مَعَكَ قَالَ: فَقَالَ الرَّاهِبُ: دَعْهُ فَمَنْ كَتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ لَمْ يَسْعَدْ أَبَدًا قَالَ: قُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ اعْتَزَلْتَ النَّاسَ وَاغْتَرَبْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ: فَقَالَ: وَأَنْتَ أَيْ أُخَيَّ فَحَيْثُمَا ظَنَنْتَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لَكَ إِلَى اللَّهِ -[61]- عَزَّ وَجَلَّ فَابْتَغِ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا , فَلَنْ يجِدَ مُبْتَغُوهُ مِنْ غَيْرِهِ عِوَضًا , قَالَ: قُلْتُ: فَالْمَطْعَمُ؟ قَالَ: أَقِلَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ قَالَ: قُلْتُ: فَالْقِلَّةُ؟ فَقَالَ: إِذَا أَرَدْنَا ذَاكَ فنْبِتُ الْأَرْضِ وَقُلُوبُ الشَّجَرِ , قال: قُلْتُ: أُخْرِجُكَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ الْوَعِرِ , فَآتيِ بِكَ أَرْضَ الرِّيفِ وَالْخِصْبِ؟ قَالَ: فَبَكَى , وَقَالَ: إِنَّمَا الْخِصْبُ حَيْثُ يُطَاعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ , وَإِنَّمَا أَمُوتُ الْآنَ وَلَا حَاجَةَ لِي بِالنَّاسِ قَالَ: قُلْتُ: أَوْصِنِي بِشَيْءٍ أَحْفَظُهُ عَنْكَ قَالَ: تَفْعَلُ؟ قُلْتُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا تَدَّخِرَنَّ عَنْ نَفْسِكَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا , وَلَا تُؤْثِرَنَّ بِحَظِّكَ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا , وَارْعَ حُدُودَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ مُغَالَبَةِ الْهَوَى وَتَنَسَّمْ إِلَى مَحَابِّهِ , وَإِنْ صَعُبَ عَلَيْكَ الْمُرْتَقَى , وَأُخْرَى أَقُولُهَا لَكَ جِمَاعًا لَا تَرُدَّ بِفِعْلِكَ غَيْرَهُ , وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَانْصَرَفْتُ "