لقد نبذنا كتابنا وراء ظهورنا وجعلناه أماني، كما نقل ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس وقتادة في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، أي: غير عارفين بمعاني الكتاب، يعلمونها حفظا وقراءة بلا فهم، لا يدرون ما فيها.
فماذا جنينا من وراء هذا التعامل؟
القاصي والداني يدرك ما وصل إليه حال الأمة الإسلامية من ضياع وتفكك، وذل نتجرع مرارته ليل نهار.
أصبحنا تحت أقدام الكفار يفعلون بنا ما يشاءون .. صرنا في ذيل الأمم .. أذل أهل الأرض .. لا قيمة لنا، ولا اعتبار لوجودنا.
تخلينا عن مصدر عزتنا فاطمأن أعداؤنا لذلك، وبلغ استهزاؤهم بنا إلى درجة أن بعض إذاعاتهم تبدأ برامجها بالقرآن لعلمهم بأننا قد نبذناه وراء ظهورنا.
وعندما ظهر شعاع الضوء وبصيص الأمل في تلك الظلمة الحالكة والذي تمثل في ظهور الصحوة الإسلامية، لم تعط هذه الأجيال الشابة الواعدة القرآن حقه في الفهم والعمل، ولم نتعامل معه كمصدر للهداية والتوجيه، بل تركته وبحثت عن غيره، فاختلفت المنابع، وتنوعت المشارب، فحدث ما حدث من خلاف في التصور حول القضايا المختلفة والأمور الجوهرية، ولم نعد على قلب رجل واحد .. فأبى الله أن يوفي بوعده ويطبق سننه معنا حين أسأنا، كما أوفى بوعده مع الجيل الأول حين احسنوا التعامل معه ..
فبعد أن كانوا أذلاء فقراء، جهالا، في مؤخرة الشعوب قبل الإسلام، إذا بهم - بعد أن أحسنوا استقبال القرآن - في المقدمة، سادة الأرض ومحط الأنظار: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111].
أما نحن فعندما تخلينا عن المصباح، وأهرقنا الدواء، والتمسنا الهدى في غير القرآن، تركنا الله عز وجل وجعلنا أذلة بعد أن كنا أعزة، وسلط علينا من كَتَب عليهم الذلة والمسكنة .. إخوان القردة والخنازير، وجعل منهم سياطا يؤدبنا بها لعلنا نعود إليه وإلى كتابه.
قال تعالى: {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48].
فهل نحن راجعون؟!!