وذلك من خلال التفكر في مواضع المنع والحرمان من العصمة الإليهة وتخلية الواحد منا بينه وبين الذنب، ليعرف قدر نفسه عليه لارتكابها، فالعاقل من تتبع هذه المواقف وواجه نفسه بها ليُعرِّفها حقيقتها وقدرها، ويدرك مدى عجزها وجهلها وظلمها وفقرها إلى مولاها، وهذا ما كان يفعله الصالحون، كما جاء في القرآن على لسان آدم وزوجه بعد أن أكلا من الشجرة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
وعلى لسان موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} [القصص: 16].
وكذلك يونس عليه السلام: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
وعندما طلب يوسف عليه السلام سؤال النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند رؤيته ليثبت براءته قبل خروجه من السجن، عند ذلك اعترفت زوجة العزيز أنها من وراء ذلك كله، وأقرت بأن نفسها هي التي أمرتها بذلك فقالت: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53].
4 - التخويف من عاقبة الرياء والعجب:
من وسائل الحذر من النفس:
دوام التذكر بخطورة الرياء والعجب وإحباطهما للعمل ليشتد حذر الإنسان من نفسه، ويخشى على عمله منها.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].
5 - الخوف من الله:
فالخوف هو أفضل لجام تُلجم به النفس.
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].
وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 10].
6 - التواضع:
التواضع من أفضل الوسائل التي تعين العبد على استصغار نفسه وعدم شعوره بالأفضلية على غيره، مهما كانت درجته أو ثقافته أو سبقه، ومن فوائده كذلك أنه لا يرى نفسه أهلا لتحمل مسئولية، أو إمارة، بل يكون حاله كحال موسى عليه السلام عندما استصغر نفسه على حمل الرسالة بمفرده، وطلب من الله عز وجل أن يشاركه أخوه في حملها مع أنه عليه السلام كان أهلا لذلك، وقد قام بحملها على أحسن وجه، وتحمل من فرعون ثم من بني إسرائيل الكثير والكثير.
قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34].
وفي القرآن صور كثيرة للتواضع، وفيه كذلك تحذير من الكبر ومظاهره.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
وقال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 18، 19].