من هنا يتبين لنا أن جهاد النفس على لزوم الصدق والإخلاص هو هو الضلع الثالث لمثلث التغيير، فكل ما سبق ذكره في جانبي العقل والقلب لن يؤتي أكله إلا إذا اكتمل بتزكية النفس وجهادها وترويضها على طاعة الله بصدق وإخلاص.
فإذا كان الأمر بهذه الخطورة، فما هو دور القرآن في تغيير النفس والسيطرة عليها واليأس من أن تكون في يوم من الأيام سببا لدفعنا للعمل الصالح الخالص لوجه الله؟!
يتجلي دور القرآن العظيم في تغيير النفس من خلال عدة محاور أهمها تعريف الناس بحقيقة أنفسهم ومدى ضعفها، وتعريفهم بالله عز وجل وحقه عليهم، وإرشادهم إلى الوسائل التي تعينهم على جهاد أنفسهم، وإلزامها طاعة الله بصدق وإخلاص.
من أهم الأمور التي تعين العبد على جهاد نفسه هو معرفته بها معرفة حقيقية، وعدم رضاه عنها، والتأكد أنها لن تأمره بشيء إلا إذا كان لها حظ فيه.
فمن أخطر الأشياء على العبد وثوقه بنفسه، ورضاه عنها، واعتقاده أنه يأتيه خير من قِبلها. ذلك نجد القرآن كثيرا ما يعرفنا بأنفسنا وبخطورتها، وبضرورة الحذر الدائم منها.
يقول تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128].
ويقول تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10].
ويذكرنا القرآن بحقيقة نفوسنا فيقول تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].
ولا يكتفي القرآن بذكيرنا بحقيقة أنفسنا، بل يضرب لنا الأمثال، ويقص علينا القصص التي تُبيِّن خطورتها، وكيف استطاع الشيطان أن يستغل جهلها، وولوعها باستيفاء حظوظها العاجلة، وعدم نظرتها للعواقب.
فنجده يقصُّ علينا قصة ابني آدم، ودور النفس فيها.
يقول تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 30].
وإخوة يوسف الذين ألقوا بأخيهم في البئر فقال لهم أبوهم يعقوب عليه السلام: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: 18].
وامرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه، واعترفت بأن نفسها هي السبب في ذلك {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53].
وبنو إسرائيل الذين فعلوا الكثير مما يغضب الله عز وجل.
قال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80].
والقرآن كذلك يُذكرنا بحقيقة ضعفنا أمام أنفسنا، وأننا لا نستطيع الصمود أمام إلحاحها، كما قال تعالى على لسان نبيه يوسف - عليه السلام -: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33].
من المحاور الرئيسية في قضية تغيير ما بالنفس معرفة حق الله على عباده، وأن جميع البشر مدينون لله عز وجل، ومهما اجتهد العبد في أداء الطاعات فلن يوفي جزءا يسيرا من هذا الحق.