أنزل الله عز وجل القرآن لمقصد عظيم، ألا وهو هداية البشر إليه وإلى طريقه المستقيم، وقيادتهم إلى جنته ورضوانه، وإنقاذهم من إبليس ومن المصير الذي يقودهم إليه.
يقول تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
فالقرآن حبل الله الممدود بين السماء والأرض، مَن تمسَّك به نجا من الهلاك كما قال صلى الله عليه وسلم: " أبشروا، أبشروا! أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضللوا ولن تهلكوا بعده أبدًا" (?).
إنه المصباح الذي اجتبى به سبحانه وتعالى هذه الأمة، فلا سبيل لهدايتها إلا به، قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44].
القارئ للقرآن المتدبر لمعانيه، يجده كثيرًا ما يصف نفسه بأنه نور وهدى للناس .. فماذا تعني كلمة الهداية، وكيف تكون؟
قال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: " يا علي، سل الله الهدى والسداد، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد تسديدك السهم" (?).
فمعنى الهداية بصفة عامة: معرفة الطريق الصحيح الموصل للهدف الذي يسعى المرء لبلوغه.
فإن كان الأمر كذلك، فما هو هدف المسلم في الحياة وكيف يبلغه؟
أليس الهدف هو: رضا الله عز وجل ودخول جنته، كما في الدعاء " اللهم إني أسألك رضاك والجنة "؟
ولقد أخبرنا سبحانه وتعالى بأنه ليس هناك إلا طريق واحد يؤدي إلى هذا الهدف، ألا وهو: الصراط المستقيم.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
والطرق التي تُحيط بالصراط كثيرة، ويقف على رأس كل منها شيطان يدعو الناس إليه، كما أخبرنا بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا بيده، ثم قال: " هذا سبيل الله مستقيمًا " وخطَّ عن يمينه وشماله ثم قال: " هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (?) [الأنعام: 153].
هذا الطريق المستقيم ينبغي على المسلم أن يعرفه من بين الطرق الأخرى المحيطة به، وأن يسير فيه طيلة حياته حتى يلقى ربه ..