ونحن نريد أن نوفق بين حفظ كتاب الله والمحافظة عليه، وبين الانتفاع بكل القوى والمواهب في الطفل، وتربيتها جميعا تربية متناسقة، بحيث يقوي بعضها بعضا، ويعضد بعضها بعضا، ولنجمع بين الفائدتين (?).
وهذا ما نريده .. أن نجمع بين الفائدتين.
وإليك أخي القارئ في الأسطر القادمة تصورا مقترحا لذلك.
تصور مقترح لحفظ الآيات
بطريقة الإيمان قبل القرآن
بداية التصور المقترح لحفظ الآيات بطريقة الإيمان قبل القرآن يبدأ بضرورة الاقتناع بأنه لا داعي للاستعجال في الحفظ، فالصحابة رضوان الله عليهم - وهم من هم - كان اهتمامهم بالعمل بالقرآن قبل اهتمامهم بحفظ حروفه وكلماته، لذلك كان الحفاظ فيهم قليلين.
لقد بدأوا أمر القرآن من أوله، وأول أمر القرآن هو الانتفاع به وتحقيق المقصود من نزوله، أما الحفظ فليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة مساعدة لتيسير الانتفاع بالقرآن من خلال سرعة استدعائه في أي وقت وأي مكان.
النقطة الأخرى للتصور المقترح هو تبني طريقة الصحابة في الحفظ، والتي أخبرنا عنها بعضهم كما مر علينا سابقا، وأخبرنا كذلك أحد تلامذتهم وهو أبو عبد الرحمن السُلمي. يقول رحمه الله: إنما أخذنا القرآن من قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخرى حتى يعلموا ما فيهن من العمل. قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعا، وأنه سيرث القرآن من بعدنا قوم يشربونه شرب الماء، لا يجاوز هذا، وأشار إلى حنكه (?).
وتكمن أهمية هذا الأثر في أن صاحبه - وهو ليس من الجيل الأول بل من التابعين- ينقل لنا الطريقة السائدة في حفظ القرآن بين الصحابة وبعد أن اكتمل نزوله.
إذن فالوسيلة الأولى في كيفية الحفظ هي: أن نأخذ كما قليلا في المرة الواحدة، وليكن عشر آيات، ولا يتم الانتقال إلى العشر الأخر إلا بعد العمل بما فيهن وحفظهن كذلك.
تبني طريقة «الإيمان قبل القرآن» في الحفظ، والتي شرحها لنا جندب بن عبد الله عندما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا» (?).
ويؤكد على هذه الطريقة عبد الله بن عمر بقوله: لقد عشنا برهة من الدهر وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يقف عليه منها (?).
هذا هو الإطار العام الذي ينبغي أن نُلزم أنفسنا به ونحن نحفظ القرآن، ولأن الكثير منا قد تعود على حفظ القرآن بألفاظه فقط، وبكم كبير، دون ربط الآيات بمعانيها، وما فيها من هداية وإيمان وعمل، فإن من الصعب عليه الانتقال المباشر إلى الطريقة الأخرى، المشار إليها تحت شعار «الإيمان قبل القرآن».
وفي هذه السطور طريقة مقترحة تساعدنا، ولو في البداية، على التحول التدريجي نحو حفظ القرآن وربطه بالإيمان والعمل، وهي ليست إلزامية لأحد، ولكنها من باب الاستئناس، وكمرحلة انتقالية تعينه بإذن الله على التعود على حفظ اللفظ والمعنى، وترشده إلى كيفية استخراج الجوانب العملية من الآيات.