أئمةُ الفقهاء، فإنه ليس للشافعي ولا غيره في غريب الحديث مثل " النهاية " ولا ما يُدانيها مع أنَّه أعلمُ مِن ابن الأثير، وأفضلُ، وأورعُ، وأنبلُ.
فإذا عرفتَ أن المرجعَ بالمعرفة التامة في الفنون العلمية إلى أهلها، المختصِّين بمعرفتها (?)، المنقطعين في تحقيقها، المستغرقين في تجويدِها، المشغولين بها عن غيرها، المصنِّفين فيها الكُتُبَ الحافِلَة، والتواليفَ الممتعة، وكذلك، فتحقق أيضاًً أنَّ المرجعَ في معرفة الحديثِ صحيحهِ وموضوعهِ، وموصولِه ومقطوعِه، وموقوفِه ومرفوعه، ومُدْرَجِه ومُعْضَلِهِ، ومُسْندِه ومرسَلِه، ومقلوبِه ومُعَلَلِه، ومضطرِباته وبلاغاته، وشواهده ومتابعاته، وتواريخِ رجالهِ وأحوالهم، والكلامِ في جرحهم وتعديلهِم وتضعيفِهم وتليينهم إلى غير ذلك مِن علومه الغزيرة، وفوائِدِه العزيزَةِ هو إلى علماءِ الحديث الذين قطعُوا أعمارَهم في الرِّحْلَةِ إلى أقطارِ الدنيا لجمع شوارِدِه، ولقاء مشايخه حتى أخذ الواحِدُ منهم عن ألوفٍ من الشيوخ، وبلغ الحافظ منهم ما لا تكاد تحتملُه العقولُ، هذا السَّمعانيُّ (?) كانَ له سبعة آلاف شيخ، وهذا البخاريُّ كان يحفظ ثلاث مئةِ ألفِ حديثٍ (?).