قوله: فإن قلت لم يكونوا يفتون قومهم، إنما كانوا يروون إليهم

ولم يَكنِ اجتهادُهم في ذلِكَ العصرِ إِلا بملازمة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقط، مع سماعِ جُمْلَةٍ من حديثِه ومعاينةِ كثيرٍ من أفعالِهِ، وإن لم تَطُلْ تلك الملازمة طُولاً كثيراً، ولهذا قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] وهذا النفيرُ الذي نَدَب اللهُ إليه في هذه الآيةِ هو النفيرُ للجهاد (?)، فجعلَ المجاهدينَ فقهاءَ في الدِّين، وسمَّى الجهادَ تفقهاً لِمَا يَصْحَبُهُ مِن رؤيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كيف يُصلي، وبما يأمُرُ المجاهدين مِنْ أحكامِ الجهاد، ففي مدة إقامتهم معه في الغزوات سمَّاهم متفقهين، وأباحَ لهم أن يُفتوا قومَهم بما رأوا من أفعالِه عليه السلام، وبما سَمِعُوا من أقواله، ولكِنَّهم لا يكونون مُجتهدين فيما لم يَرَوْا ولم يَسْمَعُوا، وهذا اجتهادٌ خاص، وهو أحدُ الأدلة على تجزُّؤ الاجتهاد (?).

فإن قلت: لم يكونوا يُفتون قومَهم إذا رجعوا إليهم، إنما كانوا يَرْوونَ لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015