ومِن ذلك قولُ الأعمى (?) الذي قضى عليه عمر الدِّية حين سَقَط هو وقائدُه في حفرة، فوقع فوق قائده فقتله، وسَلِمَ، فلمَّا قَضَى عليه عمر بالدِّيةِ، جعل يطوفُ وهو يقول:
يا أيُّهَا النَّاسُ لَقِيتُ مُنْكَرَاً ... هلْ يَعْقِلُ الأعْمى الصَّحِيح المُبْصِرَا
خَرَّا مَعاً كِلاهُما تَكَسَّرا
فهذه وأمثالُها لم يعتمدوها أدلةً على الأحكام، ولا يتوهَّمُ ذلك أحدٌ مِن أولي الأفهامِ، فإنما هي مُلَحٌ سَمَرِيَّة لا حُجَحٌ نَظَرِيَّة.
فإن كان السَيِّدُ -أيَّدَه الله- إِنما أراد ما أرادُوا مِن الإحْمَاضِ (?) ولم يَقْصِدْ بذلِكَ الكلامِ النقضَ والاعتراضَ، فكان يجبُ عليه أن لا يُورِدَ ذلك إلا بعدَ إيراد الأدِلَّةِ السَّاطِعَة، أو البراهينِ القاطعة.
النظرُ التاسِعُ: أن الاجتهادَ وشرائِطَه مِن قواعدِ الإسلامِ التي ينبني عليها عندَ الجماهيرِ صِحَّةُ الإمامةِ والقضاءِ والفُتيا، فينبغي التَّثَبُّتُ في الدليل على شروطها مِنْ نفيٍ وإثباتٍ، والسَّيِّدُ قد زاد في شروطِها شرطاً لم يَسْبِقْهُ غيرُه إليه واستدلَّ عليه بمجرَّدِ الشَّكِّ والتَّحيُّرِ في كيفية العبارة إذا سُرِقَتْ كُتُبُ العالم، أو غُصبت: هل يُقَالُ: سُرِقَ علمه، أو اغتُصِبَ، أو كيف يُقَالُ؟.
فنقول للسيد: هذه حُجَّةٌ غريبةٌ ما عرفناها، فَبَيِّنْ لنا مِن أيِّ أنواعِ