وثانيهما: أن يكون حافظاً لثلاثة أشياء: وهي أقوالُ اللهِ، وأقوالُ رسوله، ومسائلُ الإجماع.
فأقولُ: أمَّا الأمرُ الأولُ وهو كونُ المجتهد ماهراً - فهذا شرطٌ غريبُ ما سمعتُ به، ولا عرفتُ ما مرادُ السَّيِّد به، وهذا يحتمل أن يكون لِغرابته في نفس الأمر، ويحتمِلُ أن يكونَ لغرابته بالنظر إليَّ فقط، فأُحِبُّ من السَّيِّد بيانَ المرادِ به، والدليلَ على اشتراطه، فهذا السؤالُ مما يُقْبَلُ مِثْلُه وهو الاستفسارُ عند علماءِ الجدل.
فإن قلتَ: هذا السؤالُ لا يُقبَلُ حتَّى تُبيَنَ أنَّ في اللفظ غرابةً، أو احتمالاً، أو إجمالاً، أو اشتراكاً فبيِّن لنا ما في لفظ المهارةِ من ذلك، فإنه ليس بغريبٍ حَوْشِيٍّ، لا يُعْرَفُ معناه في اللغة، ولا هو لفظٌ مشترك.
قلتُ: فيه احتمال، لأن المهارة في أصل الوضعِ اللغويِّ هي الحِذْقُ. قال في " الضياء " (?) يُقال: مَهَرَ بالشيء مَهَارَةً، فهو ماهِرٌ: إذا كان حاذِقاً. وقد يكونُ في حفظ اللفظ، وشِدَّة الضبط، ومنه الحديثُ:
" المَاهِرُ بالقُرْآنِ مَعَ الكِرَامِ البرَرَةِ " (?) وقد يكون في فهمِ المعاني، والغوصِ على الدقائق. وعلى كلِّ تقدير، فما الدَّليلُ على اشتراط المهارةِ في الاجتهادِ، وهَلِ المهارةُ مقدورة للبشر مكتسبة، أم مخلوقةٌ لله تعالى لا يَقْدِرُ عليها سِواه؟ فإن كانت غيرَ مقدورة للبشر، لم يَحْسُنْ ذِكْرُها في