هذه المغفرة للصغائر فقط، على وجهٍ يَصِحُّ عنه صحةً لا ريب فيها، كما صَحَّ التَّعميم عنه، بل تواتر.
وإذا حُمِلَ ذلك على الصغائر فقد صَحَّ أن الجمعة تكفِّرُ ذنوب عشرة أيام (?)، فمن أين جاء القطع أن صلاة العشرة الأيام لا تُكفِّرُ كبيرةً، بل صح أن رمضان يُكَفِّرُ ذنوبَ السنة (?)، فمن أين القطع أن صلوات سنةٍ كاملة لا تكفر كبيرةً، فقد كُفِّرَتْ صغائرُها برمضان، أفلا تقوى صلوات العام مع اجتماعها على تكفير كبيرة، بل صح أن صوم يوم عرفة، ويوم عاشوراء يكفران ذنوب ثلاث سنين (?)، أفلا تقوى صلاةُ ثلاث سنين، وصيام ثلاثة أشهرٍ فيها فرائض من ما فيها من الجُمَعِ على تكفير شيءٍ من الكبائر، وتجويز ذلك قبيحٌ على الله، واجبٌ تكذيبُ من رواه من الثقات، وتأويل ما اقتضاه من الآيات فنعوذ بالله من الغُلُوِّ وتحريف النصوص.
وأما قول ابن عبد البر: إنه يلزم من عدم التأويل ألا تجب التوبة فباطلٌ، لأن التوبة واجبةٌ لقُبحِ الذنب، لا لخوف (?) العقوبة، ودفع المضرة، ولذا نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، بعد قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2].