فإذا تقرَّرَ هذا، فالمعتزلة لم تُقِرَّ ببعضه، وهو انقسامُ دَرَجِ الجنة على حَسَبِ أعمالِ أهلها، بل تقول: إن الأطفال من أهلها بغير عمل، فما أمنهم أن الآيات التي احتجوا بها في صفة بعض أهل الجنة لا في صفة جميعهم، بل لا بد من ذلك عندهم، وإلا لَمَا دخلها الأطفال، وإنما أخبر الله تعالى بهذه الآية عن طائفةٍ من الجنة أنهم من أهل المُدْخَلِ الكريم عنده، وسكت في هذه الآية عمَّنْ عداهم، ثم ذكرهم في غيرها من كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتي.
الوجه الثاني: تمهيدٌ كالأول أيضاً، وذلك أن الشرع ورد بأن الحسنات يُذهبن السيئات، ومنه قوله: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: 11]. وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه} [المائدة: 45].
وروى أحمد حديثين في ذلك: أحدهما في تفسير الآية (?)، والثاني حديثُ هشام بن عامر في المتهاجرين، وأن من بدأ منهما بالرجوع عن ذلك كانت كفارة له (?).
وفي الحديث: " وأتْبِعِ السيئة الحسنةَ تَمْحُها " (?) رواه الترمذي من حديث أبي ذرٍّ ومعاذ، وحديث أبي ذر أصحُّ وإسناده صالح. ورواه النووي في " مباني الإسلام " (?) والآية المقدمة تشهد له، وجاء في الشرع صريحاً بذكر التكفير