هذه الأحاديث أبو هريرة، وهو متأخِّرُ الإسلام، أسلم عام خيبر سنة سبعٍ بالاتفاق، وكانت أحكام الشريعة مستقرَّةً، وكانت الصلاة والزكاة وغيرها من الأحكام، وقد تقرَّر فرضها، وكذلك الحجُّ على قول من قال: فُرِضَ سنة خمسٍ أو ستٍّ، وهما (?) أرجح من قول من قال: سنة تسعٍ، والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وعندي على هذا حجةٌ قاطعةٌ: وهي أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم أتقى لله وأعلم وأعقل من أن يرووا هذه الأحاديث بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين وقد عَلِمُوا نسخها، ثم لا يُنَبِّهُون على ذلك، ولا يُمكن حملهم على الجهل بالنسخ، وكذلك يجب أن ينقل الناسخ وينص عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِقُبْحِ تأخير البيان عن وقت الحاجة ويفهم بيان ذلك (?) كما بيَّن ما هو أسهل منه من نسخ نهيه عن زيارة القبور (?)، ونحو ذلك.
ونحن نشير إلى نبذةٍ من ذلك نُنَبِّهُ المتأمِّل على أمثالها، والله يحبُّ الإنصاف.
فمن ذلك ما ثبت في " الصحيحين " من حديث قتادة عن أنسٍ أنه لما نزل أوَّل سورة الفتح قال رجل: هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بيَّن الله لنا ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 5]، رواه مسلم من غير طريق في " المغازي "، ورواه