36]، فإن القول بأنَّ رواة الصِّحاح قد تعمَّدُوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأحاديث مما ليس لي به علمٌ، فلو علم ذلك أحدٌ، فلا لوم عليه في تكذيبهم، لكن من لا يعلمُ ذلك ما سبب إلزامِه أن يقطع بغير تقريرٍ ولا هُدى، ولا كتاب منيرٍ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تكذيب اليهود فيما رووه (?) خوفاً أن يصدقوا، فيكون المكذِّب لهم قد كذَّت الحق (?)، فهذا في اليهود القوم البُهْتِ، فكيف بأهل الإسلام؟
المرجِّح الثالث: أنا نخاف أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تلك الأحاديث، ونخاف أن يكون ما قالها، فنظرنا أيُّ الجَنَبتين أهون، فوجدنا الخطأ في القبول أهون من الخطأ في الرَّدِّ، لأنا متى أخطأنا في القبول، كان تصديقاً له (?) موقوفاً على شرط أنه قال (?): ومتى أخطأنا في الرَّدِّ كان تكذيباً (?) موقوفاً على أنه ما قال، والتصديق الموقوف خيرٌ من التكذيب بالضرورة، أقصى ما في الباب أن يكون الخطأ في القبول كذباً عليه، والخطأ في الرد تكذيباً له، صانه الله تعالى من ذكر ذلك، لكن تعمُّد الكذب عليه فسقٌ، وتعمُّد التكذيب له كفرٌ، فالخطأ فيما عمده فسقٌ أهون من الخطأ فيما عمده كفر، وهذا من نفائس المرجِّحات وخفيَّات المُدركاتِ النظرية.